عندما أقرّ مجلس الوزراء صرف علاوة الغلاء لكل المواطنين بتاريخ 16 مارس/ آذار 2008 كان الهدف الذي تنظر إليه الحكومة أولا وأخيرا هو تحسين المستوى المعيشي للمواطن، وتخفيف الأعباء عن كاهله.
كان ذلك القرار حدثا كبيرا استقبله المواطن البحريني بارتياح ورضا، فهو يعبر عن إحساس الحكومة بالمعاناة التي يعيشيها المواطن البحريني جراء موجة الغلاء التي تجتاج كل أنحاء العالم ليس البحرين فقط كدولة أو البحريني كمواطن، بل كان الغلاء وتداعياته المستمرة بمثابة بالونة اختبار لامتحان الحكومة وقدرتها على إدارة ملف الغلاء، وإحساسها وإنسانيتها بالمواطن البحريني الذي يكوى اليوم بنيران الغلاء، مع بقاء الرواتب شحيحة، ومع الالتزامات المالية والاجتماعية الثابتة التي أرهقت النفوس وأفلست الجيوب، ودعتهم إلى الاستنفار والسخط فهم بحاجة إلى العيش وإلى تأمين واقعهم المعيشي، وهم في بلد غني وليس فقيرا.
عندما نقول إن مشكلة الغلاء لا تنحصر في البحرين فقط فذلك حجة على الحكومة لا لها، إذ عندما نقول إن جمهورية مصر العربية على سبيل المثال تعاني من الغلاء ومن الفقر وعندما نتكلم أيضا عن موجة غلاء في سورية أو موريتانيا أو لبنان أو غيرها من البلدان العربية فإن لهم ظروفا خاصة، وقد يكونون معذرين في ذلك، ولكن نحن عندما نفتح فمنا لنتحدث عن غلاء هنا أو فقر هناك، فإننا لا نملك أعذارا مقبولة، فضلا عن أننا ربما ينظر إلينا على أننا نبالغ في القول أو في وصف الحال، رغم أن الحال أبلغ من أي وصف إنشائي نحاول إرساءه.
عندما تكرّمت علينا الحكومة بعلاوة غلاء والضجة الإعلامية التي واكبت الحدث حالها حال أية حملة إعلامية تلازم أي حق يرسى أو يعطى للمواطن البسيط، ظن البعض أن الغلاء سيقف بمجرد أن تصرف الخمسين دينارا، وأن البعض أحس أنه امتلك السلاح الذي يستطيع من خلاله القضاء على الفقر والغلاء ويعيش حياة اقتصادية أفضل مما كان عليها سابقا قبل علاوة الغلاء.
الواقع أن الخمسين دينارا التي إلى الآن لم تصرف لجميع مستحقيها، بل إن الغلاء مستمر ولن يتوقف في حين أن العلاوة نفسها توقفت عند قوائم، ولا أحد يعرف إلى الآن متى سيتم الافراج عنها، بل إن العلاوة نفسها التي صرفت اليوم تحتضر أمام الغلاء، فالعلاوة لم تستطع أن تنتصر على الغلاء، ويا عالم هل إن علاوة الغلاء التي صرفت سيستمر صرفها لمدة عام كما وعدوا بها أم ستقف هي الأخرى كما توقفت عند البعض الآخر اليوم وترك يواجه الغلاء بصبره وامتحانه على الانتظار حتى تترفق عليه وزارة التنمية وتصرف له معونته.
الذين صرفت لهم مازالوا اليوم يعانون الغلاء، وعلى حد قولهم فإنهم لم يستطيعوا مواجهة الغلاء بخمسين دينارا، بل إن الغلاء زاد أكثر وأكثر وأصبح أكثر عنادا من ذي قبل، فالأهداف لم تتحقق، فضلا عن أن المشكلة ذاتها لاتزال موجودة على السطح.
فالغلاء الوحش الكاسر الذي يلاحقنا لايزال يهددنا بمزيد من الغلاء، ولمواجهة الغلاء لا نحتاج إلى أربعين مليونا تصرف لمدة عام، ونرجع من جديد نفكر في أسلوب آخر لمواجهته، فالغلاء يحتاج منا إلى استراتيجيات لمواجهته، وخصوصا مع الوفرة النفطية وأرتفاع أسعار النفط.
فإذا كنا اليوم مع الوفرة لا نستطيع أن نضع برنامجا لمواجهة الغلاء وتوفير الحياة الهانئة للمواطن البحريني الذي يعيش في بلد غني بالخيرات، فنسأل متى يمكننا تحقيق ذلك الحلم؟
علاوة الغلاء اليوم تحتضر وتحتاج لإنعاش، فالغلاء وحده المستمر الذي يتمتع بحيوية وصحة، وينتقل من مكان إلى آخر ومن سلعة لمنتج. والأهم من إقرار علاوة غلاء زهيدة لا تنفع لأن تكون مصروف جيب، هو أن تتحسن الرواتب وأن تدعم السلع الاستهلاكية، وتحسين الخدمات الأخرى كالخدمات التعليمية والخدمات الصحية تحديدا حتى لا يضطر المواطن البسيط إلى دفع المزيد من الدنانير طلبا للخدمات الصحية غير المتوافرة في المراكز الصحية العامة أو شراء دواء يمنع عنه بلوى المرض، ولا يضطر أيضا إلى أخذ ابنه إلى مدرس أو لمعهد لتقويته.
إذا كان بيان مجلس الوزراء فور إقرار العلاوة أعلن وقتها استعداد الحكومة للنظر في أية اعتمادات إضافية فيما لو استدعى الأمر لتغطية المستحقين للعلاوة، فما المبرر الذي تقف عليه اليوم وزارة التنمية في تلكؤها في صرف ما تبقى من قوائم مستحقين إلى الآن لم يتسلموا علاوة الغلاء في حين أنهم يواجهون الغلاء بضعف إمكاناتهم، أم أن ما تبقى من قوائم لمستحقين لدى الوزارة ثبت لديها أنهم يستطيعون مواجهة الغلاء بصورة أكبر من غيرهم ممن تسلموا علاوة الغلاء سابقا؟
البعض فعلا تسرب إليهم الخوف من حرمانهم من علاوة الغلاء رغم انطباق الشروط والمواصفات عليهم، لكون الأمور اليوم تسير بشكل غير شفاف وبعدم وضوح، ومن واجبنا أن نبين للجميع أن علاوة الغلاء اليوم تحتضر، والغلاء هو المستمر والمواجهة لاتزال مستمرة.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ