منذ اللحظة التي برزت فيها الجمعيات السياسية على الساحة المحلية، لعبت هذه الجمعيات دورا بارزا وايجابيا في مجمل الحياة السياسية. هذا، وعلى رغم العوائق المتعددة التي وضعت في طريقها، من نوع العوائق القانونية تارة والسياسية تارة اخرى، فإن هذه الجمعيات على تباين مواقفها من كثير من القضايا وخصوصا مسألة الدستور الجديد والدخول أو عدم الدخول في البرلمان، كانت ولاتزال تمثل صمام أمان للأوضاع السياسية في البحرين. ولأن الديمقراطية لا تكون كذلك إلا بجملة من الشروط والقواعد، فإن أهم شرط وأول قاعدة في بناء الديمقراطية هو انشاء الاحزاب.
والبحرين هي ارض خصبة لقيام الاحزاب. كما انها تعيش هذا المخاض منذ قرابة خمسين عاما، ويمكن القول ان لدى هذا البلد تجربة ثرية في قيام الاحزاب بمختلف ألوانها، حتى مع عمل هذه الاحزاب تحت الأرض، فإن ذلك لا يقلل من خبرتها التاريخية والاستفادة من تلك الخبرة في المرحلة الحالية/ العلنية.
اكثر من ذلك، ان الجمعيات السياسية القائمة وإن لم تتطابق مع بنية الاحزاب المتعارف عليها في الانظمة الديمقراطية - طبعا لأسباب كثيرة - فهي تمثل امتدادا لأحزاب كانت قائمة فعلا على ارض الواقع وكان لها حضور جماهيري وسياسي ونضالي على امتداد العقود الماضية.
على هذا الاساس ومن باب الحنكة السياسية المطلوبة في قيادة الدولة والمجتمع فإن تحول هذه الجمعيات إلى احزاب وفق انظمة وضوابط سيكون له تأثير ايجابي على كيفية عمل هذه الجمعيات (الاحزاب)، من جهة وكيفية تعاطيها مع امور السياسة وشئون الدولة والحكم من جهة ثانية، وتعاطيها مع حاويتها الاجتماعية من جهة ثالثة.
أما الآن وقد أثبتت هذه الجمعيات طوال الفترة الماضية انها قادرة على ادارة شئون السياسة على الصعيدين الذاتي والموضوعي، يصبح من الاهمية بمكان، وانسجاما مع اجواء الديمقراطية القائمة، ان تتحول الجمعيات إلى احزاب وضمن اطر قانونية تنظم عملها وتحدد الحقوق والواجبات. وأثبتت التجربة بالملموس ان البحرين بقواها المجتمعية قادرة على ان تخوض تجربة الاحزاب، وفي الوقت نفسه قادرة على ان تقدم تجربتها إلى الجوار للاستفادة والاستزادة.
ويذكر هنا دعوة بعض نواب البرلمان (المجلس النيابي) إلى قيام قانون تنظيم الاحزاب، وبلد مثل البحرين تعد الحياة الحزبية - مع عدم وجود قانون ينظمها - عريقة ولها جذور تاريخية، بحاجة الآن اكثر من اي وقت وبحسب الاوضاع القائمة، إلى أنظمة ولوائح وقوانين تنظم عمل الجمعيات السياسية التي لابد ان تصبح احزابا بكل معنى الكلمة، حتى تتمكن من الاشتغال والانشغال بأمور السياسة، وتخرج من عقلية قانون الجمعيات البائد/ السائد.
ان خطوة النواب، حتى ولو جاءت متأخرة، تمثل محاولة جريئة وفي وقت ما احوج حياتنا السياسية فيه إلى أن تنظم نفسها ضمن اطر حزبية تأخذ التراث المحلي الحزبي والعربي والعالمي في الاعتبار، وفق قانون عقلاني سديد وجديد، بعيدا عن العقلية الامنية وهواجس الخوف غير المبررة.
اذن الوقت اكثر من مناسب لصدور قانون يؤطر وينظم عمل الجمعيات التي من المفترض ان تعمل بعد حين وفقا لآلية الاحزاب المعتبرة في الديمقراطيات العريقة
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 211 - الجمعة 04 أبريل 2003م الموافق 01 صفر 1424هـ