العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ

في ذكرى الجشي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نظم نادي العروبة الأسبوع الماضي حفل تأبين للمرحوم حسن جواد الجشي، رئيس أول برلمان منتخب في البحرين الذي كانت له إسهاماته في المجال الثقافي والتربوي والسياسي.

الحفل ألقيت فيه عدة قصائد وكلمات، بعضها لم يكن مدرجا على البرنامج، ولكن بعض محبيه لم يشأ أن تمرّ المناسبة دون أن يسجّل كلمة وفاء. أما شقيقه الأصغر ماجد الجشي فتحدّث عن تأثيره على توجهات أسرته علميا وثقافيا، ودفعها للعلم والتحصيل، وحرصه على تحديد وجهة بناته العلمية. ومع اقتراب (وزير الكهرباء والماء السابق) من نهاية حديثه، غصّ بكلماته وهو يبحث عن عباراتٍ يودّع بها شقيقه الذي لن يعود.

أثناء سماع القصائد والكلمات وما تضمنته من معلومات، كنت أفكّر أنها ستتبخر مع ختام الحفل إلاّ قليلا مما يتبقى في الذاكرة، فما أحرى أن تجمع في كتاب، وخصوصا أنه كان يرفض تدوين سيرته. ولكن رسول الجشي لم يمهلني، فمع نهاية الحفل أهداني بدل الكتاب كتابين: «رائد حركة التنوير في البحرين»، والآخر «كان صاحبه الكتاب وسامره القرطاس واليراع»، تضمن ما ألقي في ذلك المساء ومقتطفات أخرى، فسهرت ليلتها حتى أنهيته وأجهزت على نصف الكتاب الأول، ورجعت مباشرة لأقرأ كتاب خالد البسام «البدايات الشجاعة».

الفقيد من روّاد الصحافة الأوائل، ويعتبر شاهدا على عصر الاستعمار، إذ كتب مناهضا للوجود البريطاني، ومطالبا بالاستقلال. وهو من الجيل الجاد العصامي المكافح، لم يدخل جامعة وإنما تعلّم في مدرسة الشاعر إبراهيم العريض الأهلية. وراكم معرفته وثقافته بسهر الليالي، حيث كان يصعد في بعض فترات حياته إلى «خلوته» بدرج خشبي ليقرأ على ضوء المصباح الزيتي (الفنر) حتى الفجر، وفي إيراد سيرته الموجزة عبرةٌ ومثالٌ للشباب.

بدأ الجشي حياته موظفا بإحدى المؤسسات وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة، ثم انتقل للعمل بدائرة الكهرباء، وعمل 12 عاما بحقل التدريس، مدرّسا فمديرا حتى العام 1957، وفي حفل التأبين وقف كثيرٌ من تلاميذه (وأعمارهم الآن تجاوزت الستين) يذكرون أيامه تلك.

اجتماعيا، أسهم الجشي في تأسيس نادي العروبة العام 1939، وشارك وهو دون العشرين في الأنشطة الثقافية المختلفة كالتمثيل، وتولى أمانة السر والرئاسة في النادي. أما صحافيا، فقد أصدر مع مجموعة من أصدقائه مجلة «صوت البحرين» العام 1950، وكتب معظم افتتاحياتها، وعندما تقرأ مقالاته ستكتشف تنوعها بين أدبية وعلمية وفلسفية وتربوية وسياسية.

عندما تضع هذه الكتابات في سياقها التاريخي تُكبِرُ الرجل، فقد طالب في الخمسينيات والبلد محمية بريطانية بمجلس تشريعي منتخب، وانتهى الأمر بإيقاف «صوت البحرين» في 1954. وبسبب عضويته في هيئة الاتحاد الوطني أصبح من المطلوبين مع إعلان حالة الطوارئ في 1957، فاعتقل وسجن في القلعة. بعدها ارتحل إلى الكويت ليعمل في حقل التربية، وبعد عشرة أعوام ارتحل إلى سورية، ليعود في المبادرة الأولى التي فتحت الباب لعودة المنفيين في 1971. ومع انتخاب المجلس الوطني في 1973 منحه الأعضاء ثقتهم بانتخابه رئيسا لأول برلمان في البحرين.

مع غياب البرلمان غاب الجشي، وفي السنوات الأخيرة أقعده المرض، وبقي في الظلّ حتى غيّبه الموت أواخر مارس/ آذار الماضي، ليمضي إلى القبر محتفظا بأسرار محطاتٍ شتى، في حياة أحد رجالات البحرين الوطنيين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً