قبل نهاية هذا الأسبوع، وتحديدا أمس (السبت) 14 يونيو/ حزيران 2008، أنهى وزراء مالية الدول الثماني الصناعية الكبرى اجتماعاتهم في طوكيو.
وكما توقعت مصادر المعلومات المالية، جاءت المناقشات، ومن ثم القرارات مستجيبة للموضوعات المطروحة على الأسواق العالمية، مثل: المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي المتمثلة في ارتفاع أسعار النفط والغذاء، الاحتباس الحراري.
وكما كان متوقعا أيضا، حظي الدولار، والمهاوي التي تردت أوضاعه فيها، وعلى رغم عدم تضمينه في أجندة النقاش الرسمية، بحيز لا يستهان به من نقاشات أولئك الكبار.
التحديان الحقيقيان اللذان لم يكن بوسع وزراء مالية تلك الدول القفز فوقهما، أو حتى تحاشي الغوص في تفاصيل أسواقهما؛ كانا: القفزة الهائلة في أسعار النفط، الذي شارف على مستوى 140 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي، وأزمة غذاء، سجلت أعلى قفزة خلال 18 عاما في إبريل/ نيسان الماضي، بأكثر من 0,3 في المئة، وسط توقعات بأزمة لاحقة طارئة محتملة جراء ارتفاع أسعار الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى تمخض عنها أعمال شغب وعنف في الكثير من الدول في آسيا وأفريقيا، ما عزز المخاوف من شبح أزمة غذاء عالمية قد تهدد ملايين البشر بالمجاعة وسوء التغذية.
وكما يقال فإن «الشيء بالشيء يذكر». فأزمات العالم الحادة اليوم، تذكرنا بأزمات السبعينيات التي تولدت عنها مجموعة الثماني الكبار. ففي منتصف السبعينيات من القرن الماضي أدت مشكلة النفط (الصدمة الأولى في مطلع السبعينيات بعد حرب أكتوبر1973، والصدمة الثانية بعد نجاح الثورة الإيرانية في 1979) وانهيار نظام بريتون وودز للمعاملات المالية الذي وضع بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، كل أدى إلى نشوء أزمة عالمية كادت تعصف باقتصاد عدد كبير من الدول.
وفي ظل ظروف كتلك، وهي كثيرة التشابه مع ما يعصف اليوم من أزمات بالعالم الصناعي، بدأت فكرة هذا التكتل العالمي. وتحديدا تعود فكرة تأسيس هذه المجموعة إلى إبريل/ نيسان 1973 عندما اجتمع وزراء مالية الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا الغربية -آنذاك- وفرنسا وبريطانيا في مكتبة البيت الأبيض للحديث عن الاقتصاد الدولي عموما، من دون أن يتوقع أحد أن يتحول هذا اللقاء إلى حدث سنوي يثير حوله هذا الصخب الإعلامي. إلا أن الرئيس الفرنسي السابق «جيسكار ديستان» بلور هذا اللقاء بعد أن ضم إليه اليابان وإيطاليا ليعقد أولى جلساته في العام 1975 في مدينة رامبوييه الفرنسية بشكل غير رسمي، قبل أن يأخذ صورة القمة السنوية بعد أن التحقت به كندا العام 1976 كمراقب بوساطة أميركية، ثم تكامل تكونه الثماني مع انتهاء الحرب البادرة، حينها، طرقت روسيا ( في العام 1989) باب المجموعة، التي كانت حينها سباعية، وسمح لها الدخول والعضوية - لكن على مراحل. وفي العام 1998 حصلت روسيا على العضوية الكاملة في نادي الدول الصناعية الكبرى.
أزمة اليوم هذه، والمحدقة بدول الثماني الكبار، التي تذكرنا بأزمات السبعينيات من القرن الماضي، يفاقم من تأثيراتها الأزمة الدولية التي تهدد مصير وتماسك كتلة الثماني الكبار، والمتمثلة في تراجع النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لصالح دول شرق آسيا والصين والهند بوتيرة عالية.
ويشهد على ذلك مثلا العجز التجاري الأميركي الذي بلغ خلال السنوات الخمس الماضية بين 550 إلى نحو 700 مليار دولار سنويّا مقابل فوائض مالية متراكمة في دول شرق آسيا تقدر قيمتها بنحو 3000 مليار دولار، تمتلك الصين لوحدها 1000 مليار منها. وهو الأمر الذي يجعل من هذه الدول قادرة على اللعب بمصير الدولار الأميركي الذي لايزال العملة الاحتياطية الدولية الأولى. ومما يعنيه ذلك قدرتها أيضا على اللعب بمصير النظام النقدي الدولي ومعه النظام الاقتصادي العالمي الذي يرتكز على هذه العملة.
لكن قبل الخروج من محيط الدول الثماني، والحديث عن الأزمات العالمية المحدقة بها، هناك المشكلات الداخلية المتربصة بوحدة هذه الكتلة العالمية المتحكمة في اتجاهات الاقتصاد الدولي.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ