يتجاوز المبتكرون في عالم التدريب جميع الحدود والخطوط ويتفننون في توصيل المعلومة المستهدفة أو بناء المهارة المطلوبة. ونشأت في الثمانينيات مدرسة التدريب الحركي التي انطلقت من بريطانيا مُعلنة بأنه ليس هناك مزيد من التدريب التقليدي, وطوّرت الأفكار في بناء مهارات المتدربين ولاسيما المهارات الأساسية كمهارات الاتصال الفعّال, والعمل ضمن فريق، والتفاوض الفعّال وغيرها.
لم ترقَ هذه الأفكار في تلك المرحلة إلى مستوى الآليات، إلى أنْ تم تطوير ما يسمّى بآليات التدريب من خلال المرح «Training via Fun» «ونجح اليابانيون والهنود في هذا النوع من التدريب وأبدعوا وقد شاهدت في الهند مقطعا في إحدى ورش التدريب يشبه إلى حدٍ ما، المشاهد السينمائية, فقد قام المدرّب الذي يدرّب المشاركين على مهارات الأقدام والمواجهة بربط المتدربين بحبال في أوساطهم ومن ثم زجهم من أعلى سطح مبنى مؤلّف من ثلاثة أدوار ويطلب منهم الوصول إلى بهو المبنى متمسكينَ بالحبال ويقوم بعض المدرّبين باستخدام أدوات / ألعاب طوّرت خصيصا لتطوير مهارات المشاركين في مجالات محدودة مثل: «السجادة السحرية» التي تشبه إلى حدٍ ما، طاولة يتبارى عليها أربعة فرق مكوّنة من ثلاثة أفراد في كلّ فريق وذلك بهدف تطوير مهارات العمل ضمن فريق واحد. وقد أبدع أحد المدربين الكويتيين في استخدامها. ويقضي المتدرّبون 8 - 10 ساعات في ممارسة الألعاب الإلكترونية من خلال هذه السجادة ويتعلمون أهمية نجاح أعضاء الفريق في العمل متعاضدينَ ومتعاونينَ.
وإذا ما التفتنا إلى التدريب في البحرين فأننا نجد أنّ هناك بعض المحاولات لتدشين هذا النوع من التدريب ولكنها لم ترقَ بعد إلى مرحلة مواكبة هذا التطوّر في مجال التدريب كظاهرة. ويرجع كثير من العاملين والمهتمين في مجال تطوير الموارد البشرية ظاهرة بطء مواكبة المستجدات في عالم التدريب إلى أمور كثيرة نلخصها كما يلي:
إجحاف القوانين وعدم مرونتها في التعامل مع هذه المتغيرات من جانب، وكذلك التفسير الخاطئ من قبل بعض المطبقين للقوانين والأنظمة في مجال التدريب. وأنني أرى أن هذا السبب وجيه جدا فمثلا بسبب قوانين تسعير البرامج التدريبية ووجود السقف الأقصى لأسعار البرامج فقد أصبحنا نلجأ لترتيب البرامج الحديثة التي لا نستطيع تصديقها بالبحرين في مدينة دبي حيث تسمح القوانين هناك أنْ تخضع الخدمات التدريبية لعملية العرض والطلب ولا تتدخل القوانين في تحديد الأسعار التي تكون عائقا لاستقطاب كبار المدرّبين وكذلك الآليات المستحدثة في التدريب. فيحجم كثير من أصحاب المعاهد عن مواكبة المستجدات بسبب عدم جدواها اقتصاديا في البحرين لهذا السبب.
ويرى المختصون أنّ السبب الآخر الذي يعيق حركة مواكبة المستجدات في عالم التدريب هو عدم اهتمام القائمين على التدريب بالبحرين في تتبع هذه التطورات، أحيانا بسبب عدم المعرفة والدراية وأحيانا أخرى بسبب عدم وجود الوقت، ويغيب عن هيكلية كثير من المؤسسات التدريبية بالمملكة وظيفة مطوّر برامج تدريبية أو ما شابه وهذا ينطبق على المؤسسات الخاصة والعامّة. وهذا يعكس عدم نضج كثير من القائمين على التدريب بأهمية المتابعة ومواكبة المستجدات في عالم التدريب المتطور باستمرار.
و أنا أذهب للاتفاق مع السببين الأوّل والثاني وأضيف أن هناك سببا آخر وثالث ومهم يبطئ حركة مواكبة التطورات في عالم التدريب، والسبب هو أنّ الكثير من المؤسسات التدريبية بالمملكة أصبحت تنظر إلى قرب أجلها بسبب كثرة القوانين المجحفة ودخول الهوامير على خط الاستثمار في التدريب وهذا خلق واقعا مرا وهو أن كثيرا من المؤسسات أصبحت لا تثق باستمراريتها فلجأت إلى قطف الثمار المتدلية أمامها بدلا من محاولة الوصول للأعلى. وتخبّطت كثير من المؤسسات التدريبية في عملها حتى وصل بنا الحال أنْ يقوم مدرّب في نهاية ورشة تدريبه بتوزيع مبلغ 20 د.ب لكلّ مشارك وذلك لضمان ولائه وهذه حالة يرثى لها. في السابق كانت الأموال تقدم لمسئولي التدريب في الشركات والوزارات فقط ولكن في الوقت الحالي أحدثنا نقلة نوعية في عالم التدريب في البحرين حيث بدأنا ندفع للمشارك الذي يحضر ولن استغرب أن أسمع بأننا بدأنا ندفع علاوة لعوائلهم بسبب تغيّبهم عن بيوتهم في أثناء التدريب، وأنا أقترح أن ندفع في النهاية علاوة دينار واحد لخمسة أصدقاء لكلّ مشارك وهي علاوة ابتعاد عن الأصدقاء في أثناء التدريب.
فبعد أنْ كان البحرينيون يتنافسون لطلب العلم والمعرفة، أصبحت هناك ثقافة بطيخية أختزل فيها مجموعة من المستثمرين الصغار في مجال التدريب تاريخ هذا البلد العريق في التعليم والتدريب وأظهروا مجموعة من الممارسات غير الأخلاقية والتي ستبني ثقافة تدريبية تعتمد على كم أربح وكم استلم وتهمل ما يقدّم من تدريب ولن تعير اهتماما لمواكبة التطورات في عالم التدريب وتنمية الموارد البشرية.
دعوة أوجهها لوزارة العمل، لماذا لا تقوم الوزارة بتبني ميثاق شرف يوقع عليه كلّ معهد/ مؤسسة تدريبية كشرط أساسي للترخيص. ويكون بمثابة الميثاق الذي يحمي ما تبقى في عالم التدريب وتطوير الموارد البشرية. ويتنافسون لطلب العلم والمعرفة، أصبحت هناك ثقافة يقوم مدرّب في نهاية ورشة متدربيه بتوزيع مبلغ 20 دينارا.
ومع كلّ ذلك يبقى المدرّب البحريني قادرا ومستطيعا لمضاهاة أكبر المدرّبين إذا ما أتيحت له الفرصة، وأننا على يقين أن البقاء سيكون دائما للأصلح وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة.
إقرأ أيضا لـ "عبدعلي محمد حسن "العدد 2109 - السبت 14 يونيو 2008م الموافق 09 جمادى الآخرة 1429هـ