العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ

هل نحن بحاجة فعلا لكلية للمعلمين؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

سؤال يطرح نفسه بقوة في وقت ارتفعت فيه معدلات الإحباط والتذمر والاستياء في الأوساط التربوية والاجتماعية، وخصوصا مع العد التنازلي لمكانة وتقدير المعلم في الأوساط المختلفة.

لم نكن يوما نشكو من وجود معلمين ومعلمات ليسوا على مستوى معقول من الكفاءة، بل إن الميدان التربوي اليوم وبالأمس يشهد وجود الكفاءات التربوية التي تستحق منا أن نعتد بها.

لطالما تحدثنا عن وجود فجوة نفسية يجب علينا أن نهتم بها، وأن نحاول سدها بالشكل الذي يرضي طموح المعلم ولكن لا حياة لمن تنادي، أظن أن العام الماضي شهد الكثير من الفعاليات التي حاول المعلم من خلالها أن يوصل رسالته للجميع بكل وضوح وشفافية، فهناك استياء من قلة تقدير المعلم، وهناك مطالب بتحسين أوضاع المعلمين المعيشية، وهناك مطالب قديمة حديثة تنادي بضرورة تفعيل كادر المعلمين الذي كتب الله عليه أن يظل نائما في الأدراج.

أن نصحو اليوم بالذات ونتكلم عن ضرورة وجود كلية لتخريج المعلمين فقط من أجل تحقيق أحد الأهداف المهمة وهو تطوير التعليم والتدريب، فأظن أن الهدف النبيل هذا من شأنه أن يتحقق بأشكال أخرى غير الشكل الحالي الذي يأخذ طابع التفخيم، ولب الموضوع والمشكل موجود ولم يحل، بل لم يتجرأ أحد على حله.

أن تكون لدينا كلية خاصة ومتخصصة في تخريج المعلمين شيء جميل جدا، ولكن هل نضمن أن الكلية نفسها قادرة على امتصاص حالات الإحباط والتردي في أوساط المعلمين وهذا هو بيت القصيد، لأننا على علم واضح بأن الغالبية العظمى - إن لم يكن الجميع - يختارون الاتجاه إلى كليات التربية لرغبتهم الحقيقية والأكيدة في الانخراط مستقبلا في مجال التدريس والتعليم؛ لأن هناك العديد من المزايا تنتظرهم وربما على رأسها الإجازات الطويلة وخصوصا الصيفية منها التي تمتد لشهرين غير عطلة منتصف السنة فضلا عن الدوام القصير بحيث يكون المعلم في بيته قبل الساعة الثانية ظهرا بعكس الدوامات الأخرى التي تمتد إلى ما بعد الساعة الثانية ظهرا، طبعا إلى جانب أن طبيعة العمل نفسه لا يوجد فيه اختلاط، وبالتالي أكثر العوائل المحافظة والملتزمة تدفع بناتها للاتجاه إلى هذا المجال.

على رغم كل تلك الإيجابيات الموجودة، فإن ثمة منغصات ربما تنسي المعلم حلاوة الإيجابيات التي يتمتع بها، ومن بينها همّ مهنة «التدريس» التي تحتاج إلى طاقات نفسية وجسدية بشكل مستمر ومتواصل، ولذلك نجد أن غالبية المعلمين يعانون من أمراض مزمنة تتعلق بالضغط والسكر ومع ذلك فهم غير مقدرين وغير محترمين ويمثلون «الطوفة الهبيطة». الوزارة اليوم تريد ومجلس التنمية الاقتصادية يريد وهناك محور مهم جدا في التنمية لا يمكن نكرانه أو تجاهله وهو تحسين التعليم والتدريب، والمسئولية الأكبر تقع على كاهل المعلم. هناك تخبط واضح في صوغ تلك الأهداف، وهناك تخبط أكثر في محاولة تفعيل تلك الأهداف إلى واقع مقنع، وبين هذا وذاك يقع المعلم فريسة التطوير والتحسين، فلا المعلم يعرف كي يدرس التلاميذ بالصورة المطلوبة منه، ولا هو يعرف كيف يطور من نفسه ومن ذاته حتى يستطيع مواكبة التطورات التربوية.

هناك معلمون فعلا يؤمنون بالتدريب ويتمنون لو أن التعليم يتطور ويتحسن، ولكن يريدون إما أن يكونوا أدوات لتحقيق تلك الأهداف أو عقولا مفكرة ومدبرة لتلك الغايات فهناك خلط واضح، فالمعلم المتزن اليوم يقولها وبكل صراحة نريد أن نكون جنودا للتطوير وتحسين التعليم، ولكن لا تشغلونا بالمشاريع، دعونا وشأننا اتركونا ندرس في صفوفنا وسنبدع ونحقق نتاجات إيجابية جدا.

واضح جدا من المعطيات التي نحاول قراءتها بين الفينة والأخرى أن هناك فعلا ترديا في نفسيات المعلمين وهذا لا يمكن لكلية حديثة العهد ككلية المعلمين معالجته، سابقا كان المعلم يعمل ويدرس لنحو 25 سنة بعدها يفكر في التقاعد المبكر بحثا عن الراحة والهدوء والسكينة، واليوم الوضع تبدل كلية إذ أصبح المدرس يشتري خمس سنوات افتراضية بمجرد إكماله خمس سنوات على الأقل بل إن البعض الآخر يدخل الميدان وهو مقتنع تماما أن عليه أن يشتري خمس سنوات من اليوم ليستطيع تحصيل السنوات الأخرى ليتقاعد تقاعدا مبكرا.

قطاع المعلمين عموما قطاع غير منظم وغير متفق على كفايات محددة، والدليل أوضاع جمعيتهم المهلهل جراء قلة أعداد أعضائها، وقلة نشاطاتها المتميزة، وهذا بدوره يعكس نتائج سلبية في تعاطي وزارة التربية مع الجمعية ذاتها لو أن أعضاءها متفاعلون بالصورة المطلوبة مع جمعيتهم، حينها لكانت الوزارة عملت لهم ألف حساب، ولكن لأن المعلمين عادة ما يشكون من التعب فهم غير فاعلين مجتمعيا وغير مفعلين لأدوارهم تجاه جمعيتهم، وكل تلك الأوضاع لها انعكاساتها السلبية على تردي أوضاع المعلمين ميدانيا.

مشاكل المعلمين ألخصها في الآتي: مشاكل نفسية يعانون منها وقلة دافعيتهم في أداء أدوارهم ومشاكل أخرى مادية نتيجة قلة المردود المادي مقابل الجهود الكبيرة التي يبذلونها ميدانيا، ولا أظن أن كلية المعلمين قادرة على معالجة تلك المشاكل، لا مشاكل لدينا تقريبا تتعلق بضعف مهارات المعلمين، وإذا وجدت لدينا حالات من هذا النوع فأسبابها نتيجة الإحباطات والاستياء ليس إلا، وحلها يكون بالحوار فلابد للوزارة أن تتحاور مع المعلمين وتسألهم عن أحوالهم وعن مشاكلهم، وتسألهم ما إذا كان هناك ضعف في مهاراتهم، وعن الأسباب والحلول المقترحة من قبلهم فهم جزء كبير ومهم من الصورة لا يمكن إغفاله.

مستقبل كلية المعلمين اليوم في يد المعلمين ممن هم في الميدان، وإذا بقيت القناعات مكانها فأتوقع أن مصير الكلية إلى المجهول لاسيما أن هناك أيضا مشكلة قائمة وهي مشكلة الجامعيين العاطلين عن العمل، وتنصل الوزارة من مسئوليتها تجاههم، وأصحاب المؤهلات التربوية فرصتهم أصغر في حصولهم على وظائف أخرى في أماكن أخرى اللهم إلا برواتب زهيدة لا تتماشى مع مؤهلاتهم العلمية.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2108 - الجمعة 13 يونيو 2008م الموافق 08 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً