أحد أبرز المعوقات التي لاقتها التجربة النيابية الحالية بالنسبة إلى المشاركين الذين قاطعوا الانتخابات السابقة 2002، هي التركيبة التي أفرزها توزيع الدوائر الانتخابية الجائرة، وما صاحبها من عقلية غلبة مستأثرة منغلقة طارئة على العمل السياسي وتريد أن تتحكم في مفاصل العمل التشريعي، جاءت إلى المجلس بفعل هندسة استراتيجية خطيرة وزائفة لا تعكس الواقع الانتخابي، ولكنها تعكس عقلية الهيمنة وفرض العقليات الرسمية الموالية لإضعاف العمل النيابي وسيادة حكم الغلبة، وترسيخ المعادلات غير العقلانية معادلة 22 مقابل الـ 17 + أو - 1.
البعض يقول إن هذا العائق موجود وبصورة واضحة حتى قبل المشاركة، ما الذي تغير اليوم حينما نتكلم به ونقول إن توزيع الدوائر الانتخابية جائر وغير عادل ويعد من أهم المعوقات للعمل النيابي، كان الأولى مقاطعة الانتخابات إلى أن تحل تلك المشكلة القائمة.
سياسيا لا، غير صحيح أن نترك الأمور هكذا معلقة نتركها للظروف أو ربما تحل من خلال الاحتجاجات والمقاطعات، لابد من التذليل عليها والبرهان على صحة الفرضية، وأظن أن مشاركة «الوفاق» اليوم وحجم الكتلة الانتخابية التي صوتت لها باعتبارها أكبر الكتل النيابية ولكنها لا تمثل المعادلة الكبرى في المجلس، تلك الحالة تمثل الواقع بصورة واضحة لا غبار عليها، فلدينا اليوم تجربة واضحة وهناك أرقام وحقائق، والأرقام والحقائق لا يمكن تخطيئها إلا بالأرقام المضادة والمقنعة.
الشارع أحيانا يحلو له أن يصب جام غضبه على «الوفاق» وتخطيئها في الشدائد والمحن الذي يمر بها المجلس، على رغم علمهم بأن «الوفاق» وبحكم الدوائر الانتخابية الظالمة لن تستطيع إحراز الأغلبية المطلقة، يعلمون لكن مع ذلك يجدون أنفسهم مضطرين لانتقاد «الوفاق» ومواقفها، أصبح الأمر نفسيا أكثر من أي شيء آخر، فكلما ألقينا اللوم على الآخرين شعرنا بالراحة النفسية، حتى لو لم نكن محقين، و «الوفاق» باتت الشماعة التي تتحمل الأوزار والأخطاء، فضلا عن سقف الطموحات العالية التي يحملها الشارع ويطالب «الوفاق» بها، على رغم علمهم بأن الإمكانات في المجلس وأمام الكتلة جدا محدودة، ووضوح خطاب «الوفاق» أمام جماهيرها من الانتخابات إلى الآن واضح ولم يتغير بأن الإمكانات المتاحة أمامهم جدا محدودة ولكنها ترى نفسها بأن المشاركة يعني دفع الضرر، وأفضل بكثير من الفرجة، ومراقبة الأوضاع بلا تحريك ساكن.
الآن وبعد أن تحققت المشاركة وانتقلنا من مساحة المقاطعة إلى مساحة المشاركة لا يعني ذلك بأن قرار المقاطعة كان الأصح أو قرار المشاركة خطأ أو العكس، السياسة فن الممكن، ما الذي نستطيع تحقيقه سواء شاركنا أم قاطعنا.
المكسب المهم اليوم اننا نضع يدنا على الخلل الموجود ونعرف بأن هناك نظاما انتخابيا يعاني من خلل وغير واقعي وغير صحيح ويحتاج إلى معالجة، يحتاج إلى الوقوف عنده، ويحتاج إلى إصلاح لا ترميم.
الجميع لابد أن يضع رؤاه وتصوراته حول المشكل القائم، المشاركون والمقاطعون والمهتمون وغيرهم من فئات...، بحيث نصل في النهاية إلى توافق وطني بشأن صيغة الدوائر الانتخابية، غير صحيح بالمرة أن يكون المجلس خاليا من وجود تيارات سياسية مهمة لها استحقاقاتها السياسية، وخصوصا أن الحكومة نفسها تصر إصرارا أكبر على ضرورة التمثيل ونلحظ ذلك بصورة جدا جميلة ومشرقة بالنسبة إلى الغرفة الثانية من التشريع وهو مجلس الشورى، فهناك حتى الأقليات لها تمثيل لكون النظام قائم على التعيين.
نستطيع أن نرسم خريطة مماثلة للدوائر الانتخابية للمجلس النيابي تضاهي تلك وتكون ناصعة بعيدة عن أسلوب التآمر أو الإقصاء أو أسلوب الغلبة للتحكم في مفاصل عمليات التشريع والرقابة، هذا إذا أردنا بالفعل أن تكون لدينا تجربة نيابية نفخر بها، لا أن نظل على المعالجات الخاطئة والأساليب البالية، بقاؤنا على النظام الانتخابي الحالي المرسوم على أساسات غير منطقية، يعني إصرارنا على تحقيق مصالحنا الخاصة الضيقة، على حساب المصالح الوطنية الكبرى والمهمة، الدوائر الانتخابية الحالية قائمة على خمس محافظات غير متوازنة لا في أعداد ناخبيها ولا في أعداد سكانها، فإذا كان الأساس غير صحيح فالنتيجة حتما ستكون غير منطقية.
الدوائر الانتخابية القائمة لم يتم تقسيمها وفق معايير واضحة ومحددة ولا وفق أرقام انتخابية، فقط وفق هندسات مريبة تعبر عن مقاسات عقليات أصحابها، واليوم بعد أن أنكشف لنا المستور والنوايا الخبيثة علينا أن نقف من جديد وأن نعبر عن استيائنا وعن رغبتنا في إصلاح النظام الانتخابي لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى بعيدا عن الأهداف الضيقة انتصارا للمشروع الإصلاحي، وقطع الطريق أمام المغرضين الذين يريدون تحقيق انقسامات داخل الصفوف الوطنية المخلصة.
إن إصلاح النظام الانتخابي يبدأ مع إعادة النظر في الدوائر الانتخابية القائمة وإعادة رسمها من جديد بشكل متوازن ووفق معايير واضحة غير مضللة.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ