أهالي سماهيج والدير عُرفوا بالبحر، والبحر عرف بهم، غيّر من ملامحهم الكثير، تعايشوا معه دهرا، أصبح هويتهم، بل روحهم وعنوانا لقراهم، أتألم حينما أتذكر عندما كنت طفلة سألت عن قبر جدي، فقيل لي انه مات في رحلة غوص، ورميت جثته في البحر، أدركت حينها أن البحر قدرنا وملاذنا نحن أهالي الدير وسماهيج، تراهم اليوم يدافعون عن ذلك البحر، وعن تلك السواحل، وقفوا صغارا وكبارا والشمس تحرق ظهورهم، والعرق يتصبب من جباههم السمراء، من اجل لقمة عيشهم وقوت عيالهم، هم يطالبون بأقل مما يمكن، لكنهم لم يتوقعوا يوما أن يضربوا وتسيل دماؤهم وهم قبالة سواحلهم وأمام مصدر رزقهم، ترى هل أشفق بحرهم عليهم؟ وماذا قال بعد أن صمت الآخرون؟.
بحارة الدير وسماهيج خرجوا للاعتصام بتصريح من مدير أمن محافظة المحرق، وذلك في صباح يوم الأحد الموافق للأول من يونيو/ حزيران عند فرضة رأس ريّة، كانت مطالبهم محددة في نيل التعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الدفن المستمر لسواحلهم، يقول أحد البحارة المتضررين بان مصائد السمك الخاصة - والتي تعرف بالحظور - وهي أساس لمعيشتهم قد أزيلت ولم يبق منها إلا القليل، وهي في طريقها إلى الإزالة أيضا، وقد وعدتهم الشركة المختصة بعملية الدفان بالتعويضات أسوة ببحارة المحافظة الشمالية الذين تضرروا من عملية الدفان في بحرهم، لكن منذ ما يقارب السنة ومازالت المماطلة قائمة ولا يعرفون ممن السبب، هل من إدارة الشركة أم من إدارة الثروة السمكية المخولة بأمور البحارة؟
معيشتهم مهددة بالخطر، بل هم يعيشون الخطر نفسه، إذ ان الصيد تضرر كثيرا جراء الدفن، وطال انتظارهم للتعويضات التي وعدوا بها والتي تصل إلى 26 ألف دينار لكل بحار محترف، ربما تساعدهم تلك المبالغ في إيجاد البديل، وهي حق شرعي لأنها مرتبطة بملكية الحظور والتي تعتبر ملك يتوارثها الورثة، جميل ان نرى التعاطف معهم، لكن من المؤسف حقا، بل من الإجحاف ممن يرى ذلك الاعتصام تعطيل وبلبلة إذ كتب احد الصحافيين يقول «أصروا - يعني البحارة - على إغلاق الطرق في منطقة الدير وعطلوا حركة السير، مما استدعي تدخل قوات حفظ النظام لفك الاعتصام قسرا بعد أن فشلت محاولات إقناعهم بالرأي السديد». لا ادري من أين استقى كاتب المقالة حقيقة سد الشارع، وهل يعرف جيدا أين يقع ذلك الشارع؟، ومن تضرر سكان المنطقة أم عمال الشركة الذين يقومون بعملية الدفان؟، وهل من الديمقراطية ضرب البحارة وإسالة دمائهم بحضور ممثل الدائرة النيابي والبلدي؟، ولم نطالب بالمخنوق بان يصبر ونقول له بان صراخه فوضى ونشاز وهو في طبيعة الحال يطالب النجدة والمغيث وقد عز المغيث، وإلى متى نتخلق الأعذار غير الصحيحة وغير المبررة في العرف الإنساني من اجل تغييب الحقيقة وإعطاء مزيد من المبررات لممارسة العنف وانتهاك مزيد من الحقوق، وليته يعرف بل يشعر أن هؤلاء أهله وأبناء وطنه الذين يجوبون عرض البحر على رغم مخاطره، من لم يكن اعتصام البحارة تدفعه مطالب سياسية أو توجهات طائفية بقدر ما هو مطلب معيشي بحت.
ليت الكاتب وجه كتاباته إلى المسئولين ليحضروا ويروا ماذا يريد بحارتنا وهم أصالتنا وتراثنا، هم عبق الماضي وورثة الأجداد.
قبل أسبوع من الحادثة أكد صاحب رئيس الوزراء السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الموقر في حديث صحافي مع رئيس تحرير صحيفة «السياسة الكويتية» ونشرته صحافتنا المحلية في 25 مايو/ أيار 2008م بمدى الأهمية التي يوليها سموه للمواطن البحريني، إذ يقول «عشنا مع شعبنا أربعة عقود منذ انسحاب بريطانيا من بلادنا، عشنا معهم شظف العيش وقلة الموارد، وأيضا تألمنا معهم، وتألموا معنا»... هم الآن يتألمون، بل يعيشون في حالة من الضنك وقلة الحيلة، وهم في أمس الحاجة إلى الحل، وهو حقهم الذي سلب منهم، وهذا ما يشغل بال سموه إذ أن إعطاء هذا الشعب الوفي حقه من أهم أولياته إذ يقول «نعم... الذي يشغلنا قيادة وحكومة - كما قلت لك - هو أن نرد لهذا الشعب جميل صبره معنا في السنوات العجاف... نريد أن نتأكد أننا نشاطره فرحه وترحه ونشجعه دائما على العمل والاستفادة من تلك الفرص التي أتى بها الانفتاح».
يا صاحب السمو بحارة الدير وسماهيج ينتظرون ان يكون غدهم أفضل من أمسهم وهم متأكدون انك ستلبي طلباتهم وفقا لما أشرت إليه «أتمنى أن يطول الوقت أكثر مما هو محدد، حتى ألبي طلبات هذا الشعب الذي - كما قلت - عاش معنا سنوات الحاجة، ونريده وبعزم يعيش معنا سنوات الرخاء» هم على موعد مع هذا الرخاء جل ما يريدون يا صاحب السمو أن يمر يومهم بسلام، وان يصبحوا والبحر أمامهم وخير البحرين في أيديهم.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2104 - الإثنين 09 يونيو 2008م الموافق 04 جمادى الآخرة 1429هـ