عودة إلى الموضوع اللبناني ومقالي للأسبوع الماضي الذي تساءلت فيه عن الطريق الذي من المتوقع أن يسلكه لبنان ومصير اتفاق الدوحة في ظل المعطيات التي تشهدها الساحة اللبنانية. فقد تحدث معي بعض الإخوة من المتابعين للشأن اللبناني، متسائلين عن الأسس التي بنيت عليها قراءتي ورؤيتي للوضع اللبناني... نعم، كنت ومازلت متشائما فلا المعطيات الدولية ولا الإقليمية أو العربية ناهيك عن ممارسات فريق الموالاة في الداخل اللبناني توحي بعكس ذلك. بل إن أحداث الأيام القليلة الماضية التي شملت ما يأتي تعزز تشائمي هذا:
- زيارات مكوكية لشخصيات من الإدارة الأميركية تجاوزت في ممارساتها الأعراف الدبلوماسية، واجتماعات مكثفة مع قوى الموالاة مصحوبا بخطاب في الشأن الداخلي اللبناني تجاوز الخطوط الحمر.
- التعديات التي تمارساها مليشيات وبلطجية تيار المستقبل في بيروت من تهديد وطرد لجماهير المعارضة من بيوتها وعمليات الحرق وإطلاق الرصاص.
- الاستفزاز اليومي مضافا إليه الحملة الإعلامية المنظمة والمليئة بالتحريض والنفس الطائفي التي يقودها تيار المستقبل، وبمشاركة فاعلة من القوات اللبنانية وعناصر التقدمي الاشتراكي.
- مماطلات السنيورة في موضوع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومحاولات استفزاز المعارضة في قضية توزيع الحقائب الوزارية.
- تصريحات ومواقف قوى الموالاة وبالذات تيارات المستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية التي تنحو للتصعيد واستفزاز المعارضة، ومحاولة جرها إلى المواجهة أملا في دعم موعود من الولايات المتحدة ودول ما يسمى بالاعتدال العربي.
- محاولات الاستحواذ على الحقائب الوزارية السيادية والخدمية لأهداف انتخابية ليست خافية على أحد.
وكل هذا غيض من فيض من ممارسات قوى الموالاة الساعية وبدعم من الخارج اللبناني لإدخال لبنان إلى النفق المظلم خدمة للمشروع الأمروصهيوني. وهنا نود أن نشير إلى أن على رئيس الجمهورية - بغض النظر عمّا سحب منه من صلاحيات في اتفاق الطائف، وخصوصا أنه جاء على أساس توافقي - أن يكون واضحا وجليا في السعي الحثيث نحو تطبيق اتفاق الدوحة، وتسمية من يعطل هذا التطبيق وتحميله مسئولية أي تسويف ومماطلة، وتكليفه للجيش لمواجهة التعديات والاستفزازات، وتقديم من يثبت تورطه للقضاء، ونشر نتائج التحقيقات ليعرف الشعب اللبناني من يسعى ضد مصالحه واستقراره وأمنه.
على فخامة الرئيس العماد سليمان أن يكون له رأي واضح وشفاف فيما حصل ويحصل، وأن يوقف ممارسات التسويف والمماطلة التي تمارسها قوى الموالاة، وله في شفافية وصراحة ووطنية فخامة الرئيس السابق أميل لحود خير مثال.
ولقد كان سماحة السيد محمد حسين فضل الله دقيقا في وصفه للحالة اللبنانية في خطبة الجمعة الماضية حين قال بما معناه “إن النواب والوزراء في لبنان يمثلون طوائفهم ومذاهبهم، بل وعوائلهم بينما ليس لشعب لبنان وجماهيره من يمثلهم أو يسعى لتحقيق مصالحهم”، وهم بذلك إنما يكرسون هشاشة لبنان ويوضحون بصورة جلية مشكلة لبنان الأساسية.
فلبنان الدولة ولبنان الغني بتنوعه لا يمكن أن تقوم له قائمة مادام هذا التقسيم الطائفي والمذهبي سيد الموقف في عملية بناء الدولة. لبنان الدولة يقوم على إلغاء هذا النظام الطائفي، ويبنى على أساس تمثيل شعبي حقيقي بقانون انتخابات عصري وعادل بعيدا عن التمثيل الطائفي والمذهبي. لبنان القوي والدولة القوية يبنى على السواسية في الحقوق والواجبات والمواطنة الحقة سواء على مستوى التمثيل النيابي أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة ومجلس النواب والوزراء بعيدا عن الحصص الطائفية والمذهبية، ويبنى على الكفاءة والقدرة على العطاء وتمثيل مصالح الشعب اللبناني. فهل سنرى يوما الدولة اللبنانية القوية الحرّة المستفيدة من تنوعها المذهبي والطائفي والثقافي دون أن يكون ذلك عامل ضعف لها؟ نرجو ونأمل ذلك
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ