العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ

إسرائيلي عراقي أو يهودي عربي أو يهودي مزراحي

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

ارتفع صوت كمان حزين في أحد مدرجات حرم جامعة تل أبيب.

كان عازف الكمان يائير دلال يعرض القوى الابتكارية لصلاح وداود الكويتي وهما أخوان يعتبران من أفضل وأعظم الموسيقيين في العراق. يجيد دلال الحركات الموسيقية بمهارة ودقة فائقتين، وبحذر حتى لا يثير دموع الجمهور العاطفي. كان ظهوره جزءا من مؤتمر عن اليهود العراقيين في جامعة تل أبيب الشهر الماضي. «هذه جالية هاجرت إلى «إسرائيل» في خمسينيات القرن الماضي، كان عددها يومها 130.000 نسمة. وجاء الوقت لدراسة كيف انخرط أفراد تلك الجالية في المجتمع الإسرائيلي، والنظر إلى جذورها الثقافية وهويتها» يقول يوري كوهين من مركز حاييم وايزمن لدراسة الصهيونية و «إسرائيل» بجامعة تل أبيب.

دُعي علماء من مجالات كثيرة، بما فيها علم الاجتماع والتاريخ والأدب للحضور. «لاشك أن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها الأكاديميا إلى أعمال يهود مكتوبة بالعربية والعبرية وبالقدر نفسه من الاهتمام الجاد والعمق الذي تظهره تجاه مادة كتبها أموس أوز، على سبيل المثال»، كما يقول ساسون سومخ.

حضرت المؤتمر أعداد جيدة من الأفراد الذين تخللت لغتهم العربية ذات اللهجة العراقية كلمات بالعبرية، والذين استمتعوا بالمحاضرات إلى درجة كبيرة. كان من الواضح أن معظم الحضور، مثلهم مثل معظم المحاضرين، هم أنفسهم من اليهود العراقيين.

كانت نوريت تزادوك البالغة من العمر 75 عاما من بين الحضور، وأتت مع زوجها الذي هاجر إلى «إسرائيل» من اليمن. «مثلي مثل جميع أطفال المهاجرين العراقيين، مررت بمرحلة إسكات جهاز الراديو عندما يحاول أبي سماع الموسيقى العربية في البيت. مثلهم تماما شعرت بخجل لفترة طويلة من كوني عراقية. ولكنني أشعر بالسعادة اليوم عندما أقول إنني فخورة بميراثي العراقي».

برز الحوار الأكثر عصفا عندما احتج معظم المحاضرين على التعبير «يهودي عربي». هذا التعبير المستخدم بشكل شائع من قبل أعضاء تحالف قوس القزح الديمقراطي المزراحي والمفكرين اليهود من الغربيين (السفارديين) أغضب الكثير من المشاركين في المؤتمر.

«هؤلاء الذين يعرّفون أنفسهم بالعرب اليهود بدلا من اليهود من خلفية عربية يفعلون ذلك ليواكبوا ما هو شائع وليعبروا عن موقف سياسي» يقول سامح. «أعتقد أن هناك اتجاها لاستخدام التعبير «يهودي عربي» من دون التفكير بعمق عما يعنيه في الحقيقة. بالنسبة لي اليهودي العربي هو الذي ولد في أسرة يهودية تتحدث العربية، والعضو في جالية يهودية تتكلم العربية ويعيش في مجتمع عربي مسلم، وعلى علم بالأدب العربي الذي هو أساس الثقافة العربية. إذا أخذنا هذه الشروط بالاعتبار فإن من يستخدم التعبير «يهودي عربي» يستخدمه بشكل خاطئ، لأنهم لم يتعلموا العربية أبدا ولم يتكلموها ولا يستطيعون قراءتها.

هل هناك هوية إسرائيلية عراقية؟ يقول المؤلف سامي مايكل إن 99 في المئة من الهويات على هذا الكوكب هي هويات مفروضة.

يقول مايكل إنه من المؤسف أن المجتمع الإسرائيلي قد حول الذاكرة اليهودية العراقية الجماعية إلى قطعة صغيرة من الحنين الحنو الدبق، وفشل في تبني الحكمة النادرة التي ميزت الجالية اليهودية في العراق. حولت الجالية نفسها إلى أرستقراطية في العراق بفضل قدرتها على التفاوض مع المجتمع العربي الذي سكنت بين ظهرانيه.

«تلك هي الطريقة لتحقيق نتائج باهرة. نتائج لا تتحقق بالبندقية أو بالحرب، وإنما من خلال المفاوضات مع العرب»، يضيف مايكل.

ويقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة حيفا سامي سموحا «هناك هوية إسرائيلية عراقية، ولكن ليست تلك نقطة مهمة. مازالت الهوية الرئيسية التي تتنافس مع بلدنا الأصلي هي الهوية اليهودية الغربية (السفاردية). ما يميز نوع الحياة التي تعيشها ومصيرك مازال هو تقسيم المجتمع اليهودي الإسرائيلي إلى يهود شرقيين وغربيين أو اليهود من الأصول الأندلسية (السفاردية).

«ستتسع الفجوة الاجتماعية وتتعمق وتصبح أكثر قسوة» كما يضيف سموحا. «عندما ينجح الناس في المجتمع في «إسرائيل» يفقدون هويتهم، وهو الأمر الذي حصل مع اليهود العراقيين.

هافيفا بيدايا، شاعرة تدّرس اليهودية والثقافة بجامعة بن غوريون في دائرة النقب للتاريخ اليهودي. وقد علقت بما يأتي: «أول ما يحدث في وضع من الظلم هو أنك تعلن أن الجميع متماثلون. بمعنى آخر أن الجميع إما يهودي مزراحي أو سفاردي. التوجه الأصلي للهوية اليهودية العراقية، كما نرى كيف يعبَّر عنها من هذا المنبر، هو أنه يجري التعبيرعنها عبر أصوات وقنوات مختلفة جدا. من المستحيل القول ما هو عراقي أكثر من غيره».

بالطبع، لا يملك أطفال المهاجرين اليهود العراقيين، المولودون في «إسرائيل»، أية ذاكرة عن بغداد وإنما يخلقون بغداد وهمية من بقايا الذاكرة التي جمعوها من والديهم. وتعتمد هذه البقايا بدورها على الأعمال الأدبية التي كتبها مؤلفون مهاجرون شكّلوا هويتنا.

مثلي مثل أولاد المهاجرين هؤلاء سبحت في نهر دجلة ومصادره الأدبية، وتجولت في أزقة بغداد وشربت القهوة في مقاهيها، وتسوقت في متاجرها على ضفاف النهر، وشاهدت المدينة من على سطوح بيوت بغداد. للحظة وجيزة، أثناء مجريات المؤتمر النشطة المليئة بالحب والشوق، كانت بمخيلتي مناظر من بيت طفولتي، ذلك البيت الذي تلاشى مع وفاة والديّ اللذين هاجرا إلى «إسرائيل» من العراق.

عادت جدرانه والتحمت معا لثوانٍ وجيزة وعانقني والداي مرة أخرى. تردد صدى اللغة العربية باللهجة العراقية، التي استخدماها دائما عندما تحدثا إليّ، وأجبتهما دائما بالعبرية، تردد من ذلك البيت مرة أخرى. كيف أستطيع تفسير ذلك كله إلى امرأة سألتني عن ارتباطي بهذا المؤتمر ولماذا أغطيه لصحيفة «هآارتس»؟

ابتسمت لي بحياء وخجل وهي تعتذر لعدم إدراكها أنني عراقي أيضا وسألتني لماذا اسمي «لي»، ولماذا أبكي.

* كاتب مساهم في «هآرتس»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2102 - السبت 07 يونيو 2008م الموافق 02 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً