في تقرير لها شديد التشاؤم عن واقع الاقتصاد العالمي، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي أكثر مما هو متوقع. وحدد التقرير الذي نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية (http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_7436000/7436998.stm ) ثلاثة عوامل أساسية، قادت إلى هذا الوضع المتردي هي، ضعف الأسواق العقارية، وأزمة الائتمان وارتفاع الأسعار.
وقال يورغن المسكوف أحد كبار المسئولين الاقتصاديين في المنظمة «إنّ التوقعات الآنَ هي أسوأ من التوقعات الاقتصادية للمنظمة والتي كانت قد وردت في التقرير السابق والذي صدر منذ ستة أشهر».
وفي تعليق على ما جاء في تقرير المنظمة حذر الخبير في مركز «كيال» للاقتصاد العالمي دنيس سنوير من احتمال تباطؤ الاقتصاد العالمي أكثر من اقتصاد الدول الغربية الرئيسية، مشيرا إلى أنها «على الرغم من أنّ الأسوأ في الأزمة المالية قد يكون الآنَ من الماضي، إلا أنّ انعكاساته السيئة على الاقتصاد العالمي ستدوم وقد تكون قاسية».
وبعيدا عن أية مواقف أو استنتاجات مسبقة، لا يمكننا إلا أنّ نضع نسبة عالية من مسئولية ما وصل إليه الاقتصاد العالمي من أوضاع سيئة على عاتق الاقتصاد الأميركي، فعلى الصعيد المالي، لايزال الدولار، رغم تعثره، يتربّع على قمّة المعاملات المالية. فهو؛ أي الدولار، لايزال عملة الاحتياطي العالمي التي تحتفظ بها المصارف المركزية المحلية في معظم دول العالم.
هذه الإحتياطيات هي التي تستخدمها تلك المصارف تلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة. هذا يمكن الدولار من السيطرة على والتحكم في ما يربو على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم إلى جانب ما يقرب من 80 في المئة من مبادلات سعر الصرف الأجنبي.
هذا على الصعيد المالي، أمّا على المستوى التجاري، فمن المعروف أنّ أكثر من 50 في المئة من صادرات العالم يتم دفع قيمتها بالدولار بما فيها النفط، الذي عجزت محاولات دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عن التحوّل من تسعير نفوط دولها بالدولار، خصوصا في منتصف السبعينيات عندما بدرت محاولات الوصول إلى تسعيرة تستخدم سلة من العملات، لكن تلك المبادرات باءت بالفشل من جراء ضغوط واشنطن من جهة، وتقاعس بعض أعضاء الأوبك من جهة أخرى من تسعير نفوطها بعملة غير الدولار الأميركي، وتذهب بعض التقديرات إلى القول بوصول حجم جملة التداول بالدولار حول العالم إلى حوالي ثلاثة تريليون.
وتعتبر الدول العربية، خصوصا النفطية منها، أكثر دول العالم من أزمة الدولار، فهي لا تسعر نفوطها بالدولار، فحسب، وإنما تصرّ على استمرار ارتباط سعر صرف عملاتها بالدولار أيضا، الأمر الذي يجعل الخسارة مضاعفة.
وتشارك دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي الدول العربية النفطية مثل هذه الخسارة المزدوجة، لكن من مدخل مختلف، وكما يرى كبير الخبراء الاقتصاديين في إدارة منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بالبنك الدولي أوغسطو دي لا توري في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مطلع إبريل/نيسان 2008، فإن «عوامل الزيادة الحادة في أسعار المواد الغذائية ومنتجات الطاقة، مقترنة بانخفاض تحويلات أبناء المنطقة العاملين بالخارج (المهاجرين)، يمكن أنْ تؤثر بصورة سلبية على النمو الاقتصادي واستراتيجيات مكافحة الفقر، وخاصة في بلدان أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي التي تُعتبر في عداد البلدان المستوردة الصرف للنفط، (ذلك أنه) في مقدور بلدان أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي ـ التي تنتفع اقتصاداتها بالتحويلات المالية التي يرسلها أبناؤها المغتربون العاملون بالولايات المتحدة إلى أسرهم وذويهم ـ أن تشعر بوطأة تأثير انخفاض هذه التحويلات في أعقاب تباطؤ الاقتصاد الأمريكي ... إذ تمثل هذه التحويلات في الوقت الحالي ما يتراوح بين 10 إلى 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في ثمانية بلدان في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى، وما يتراوح بين 3 إلى 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عشرة بلدان في المنطقة». وطبقا لتوقعات البنك الدولي، يمكن أن يؤدي انخفاض تحويلات المغتربين بما نسبته 2.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي إلى زيادة بنسبة 18 في المئة في مستويات فقر الأسر المعتمدة على تلك التحويلات.
ليس فيما أشرنا إليه بشأن الأزمة الاقتصادية الكثير من الجديد كالذي نجده في تقرير البنك الدولي، «الآفاق الاقتصادية العالمية 2008م»، (http://www.worldbank.org/gep2008 ) الذي يؤكّد أنّ «مرونة الاقتصادات النامية من شأنها تخفيف حدة ما يُحتمل أنْ تتعرض له من صدمات تنجم بفعل التباطؤ الاقتصادي الحالي في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتوقع تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلدان النامية ليصل إلى نسبة 7.1في المئة في العام 2008». ويمضي التقرير متحّدثا عن التجارة فيقول إنّ «طلب الاستيراد العالي من الدول النامية سيساعد في تحسين النمو العالمي».
ويُلاحظ التقرير «أنّ الإدارة القائمة على انتهاج تدابير أكثر تحوطا على صعيد الاقتصاد الكلي، مقترنة بالتقدم التكنولوجي، قد ساعدت على زيادة إنتاجية العوامل الكلية ونمو الدخل الحقيقي في البلدان النامية على مدار الخمس عشرة سنة الماضية، وهو الميول الذي يتوقع أنْ يساعد على تخفيف الفقر في العِقد القادم.»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ