العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ

الديمقراطيون الجدد سيعيدون الديمقراطية للعالم العربي

لنفترض أن مصر أفرجت عن أيمن نور ورفعت القيود عن سعد الدين إبراهيم... ولنفترض أنها أرسلت سفيرها وأعضاء البعثة الدبلوماسية إلى بغداد ودخلت العراق لتؤمن مظلة عربية للوجود الأميركي هناك... ولنفترض أنها سهلت مهمة ضرب إيران عسكريا وقدمت لها الغطاء العربي... ولنفترض أنها أطبقت على حركة حماس وفرضت ستارا حديدا على قطاع غزة فماذا كان بوش سيقول؟

أسئلة لم تكن تطرح في الصحافة المصرية لو أن الرئيس بوش أشاد بتجربة الإصلاح الديمقراطية التي تقود المنطقة بسلاسة وهدوء، ولكنه هذه المرة تخطى كل الاعتبارات وقال كلاما أغضب مصر والقيادات «المعتدلة» في العالم العربي؟

بوش الابن كان غاضبا من بعض القيادات العربية لأنه في كثير من الأحيان «تتمثل السياسة هنا في قائد واحد في السلطة، ومعارضة في السجن» لذلك تشعر إدارته «بالقلق الشديد» حيال محنة المعتقلين السياسيين والنشطاء الديمقراطيين، مخاطبا إياهم بالكف عن هذه الممارسات والتعامل مع شعوبهم «بالكرامة والاحترام اللذين تستحقهما»... يعني هو درس بالديمقراطية حاول أن يلقيه الرئيس بوش في شرم الشيخ، ربما في آخر زيارة له إلى المنطقة قبل رحيله عن البيت الأبيض...

الكلام المفيد في هذا السجال المصري - الأميركي هو ما عبّرت عنه المحللة السياسية هالة مصطفى بأن جوهر الخلاف ليس ملف الإصلاح الديمقراطي، بل موضوع الخلافة وخشية الإدارة الأميركية من تأجيج الشارع المصري ضدها إذا هي أعلنت تأييدها لمبدأ توريث الحكم!

والبند الثاني الذي يندرج في أسباب الخلاف واتساع الهوة بين الدولتين هو «إنهاء دور الوسيط الإقليمي» بالسياسة الخارجية الأميركية كما كان في السابق، باعتبار أن قواعد اللعبة بعد الوجود العسكري الدائم واحتلال العراق تغيرت، ولم تعد بحاجة إلى وكلاء بل أخذت المهمة على عاتقها. وإن كانت هذه النظرية لا تحظى بالواقعية وتتنافى مع السياسات الأميركية القائمة التي تبحث عن «أغطية» عربية تحتاجها في الكثير من المواقف والمشروعات المتعثرة التي تجد فيها نفسها متورطة إلى حد الاختناق... إنه بسبب تهور إدارة المحافظين وتشددهم أو بسبب خبطهم وارتباطهم المصيري بأمن «إسرائيل» ومصالحها.

انتقادات الصحافة المصرية التي خرجت عن طورها قالت كلاما مباشرا بأن «بوش لم يستخدم الديمقراطية إلا للابتزاز» على حد تعبير كرم جبر في مجلة «روز اليوسف»، وأنه جاء إلى المنطقة لسببين: من أجل «إسرائيل» والبترول، وهي مواقف جديدة لم تطلق أو تسمع من قبل؟

لندع السجالات الصحافية جانبا فهي بالنهاية تبقى مؤشرا لمستوى العلاقة السياسية القائمة بين الطرفين ورهنا لتبدلات قد تحدث طبقا للمصالح وللعلاقات... ما هو حاصل أن التساؤلات في منطقة الشرق الأوسط منصبة على نوع التغيرات التي ستحدث في حال ذهب الجمهوريون وجاء الديمقراطيون على صعيد السياسة الخارجية والاستراتيجية الأميركية؟ هل ستبقى «الحرب على الإرهاب» بمفهوم إدارة بوش قائمة كما هي، وتقسم أنظمة العالم العربي بين «معتدل» و»إرهابي» أم أنه سيطرأ تحول ما؟ هل سيتراجع دور القواعد العسكرية المقامة في المنطقة من ضمن استراتيجية البقاء والاحتواء، أم يسقط كما سقطت الديمقراطية من أجندة السياسية الخارجية؟

وليد قزيها، رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة يفسر هذه الظاهرة ويصنفها ضمن الانتقادات التي توجه للسياسة الخارجية من داخل أميركا نفسها التي تخضع لبعض الثوابت مثل تأمين وصول البترول وضمان أمن «إسرائيل» والسيطرة على ثروات المنطقة، لكن ما يحدث بين وقت وآخر هو ما يسميه بالإضافات والتعديلات، فمثلا كانت تتبنى مبدأ نشر الديمقراطية في دول المنطقة ولكنها تراجعت عن ذلك «خوفا من وصول التيارات الدينية للحكم»... واستغلال المنظمات الجهادية للديمقراطية من أجل فرض سيطرتها بالقوة»؟

المراقبون المحايدون يعتقدون أن ما حصل ليس تعديلا بل هو تراجع وفشل للسياسة الخارجية التي ربطت إحلال الديمقراطية بمكافحة الإرهاب وبين المصالح القومية الاستراتيجية والقيم الديمقراطية المزمع نشرها في أنحاء العالم العربي.

جاكسون دييل الكاتب بصحيفة «الواشطن بوست» اعتبر أن الديمقراطية عند إدارة الرئيس بوش لم تعد أولوية نظرا إلى مكاسبها الهزيلة، لذلك عمل في السنتين الأخيرتين على استبدالها بشعار تحقيق الأمن والاستقرار في دول المنطقة بصرف النظر عن وجود الديمقراطية أم لا، فالسباق لعمل شيء ملموس على صعيد السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين كان على حساب الديمقراطية وإن تراوحت نتائج الملفين بين الإخفاق والتمنيات.

باحثون عرب أمثال عمر حمزاوي قالوا إن الخطأ كان باستخدام إدارة المحافظين للديمقراطية كخطاب تبريري في سياق حربها على الإرهاب ودمجه في عقيدة الأمن القومي، والخطأ الثاني الربط بين مواجهة القوى الإسلامية وبين نشر الحريات وتشجيع بناء مؤسسات ديمقراطية ودستورية.

لم تراع إدارة بوش أن الديمقراطية لا تتم بالقوة العسكرية ولم تدرك مخاطر فرضها بتلك الصورة على أنظمة حليفة لها مازالت تحبو نحو الديمقراطية، وفي الوقت الذي أخذت رياح الانتخابات الديمقراطية في العالم العربي تأتي بمنظمات وقوى إسلامية إلى الحكم عندها وضعت «فرامل» أو «بريك»؛ لأن هذه القوى لا تستجيب لمتطلبات المشروع السياسي الأميركي في المنطقة ولا تحاكي النموذج العراقي والفلسطيني الذي يرغب الرئيس بوش أن يستلهم منه الإصلاحيون الدرس في كل من دمشق وطهران وهما المتسببان بإعاقة الاندفاعة الأميركية بترتيب البيت العربي وهندسته ديمقراطيا...

ولكن هل التراجع عن الديمقراطية في عهد بوش يعني أن الإدارة الأميركية لم تعد تتمسك به أو يكتب له الحياة في منطقة الشرق الأوسط؟

الباحث المصري في مؤسسة كارنيغي للسلام عمر حمزاوي والمراقب جيدا للعملية السياسية الأميركية يبشر الرأي العام العربي بأن الديمقراطية لن تختفي من الأجندة في حال وصل الحزب الديمقراطي للحكم في البيت الأبيض، بل ربما ستعود أحد المكونات الأساسية للسياسة الخارجية مع إدارة أكثر تعقلا من ذي قبل وبأدوات سلمية غير مرتبطة بالقوة العسكرية أو بالحرب على الإرهاب...

سيكون من السابق لأوانه الحديث عن طريقة نشر الديمقراطية والنموذج الذي تعمل عليه الإدارة القادمة، وهل ستقفل الصناديق أمام الإسلاميين أم ستفتحه، أم أنها ستتغاضى عن الانتهاكات التي تلحق بهذا المفهوم وتمارس سياسة الانتقاء وغض البصر، أم أنها ستعيد الصدقية لسياستها الخارجية وتكيل بمكيال واحد وليس بمكيالين؟

العدد 2101 - الجمعة 06 يونيو 2008م الموافق 01 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً