تشهد الولايات المتحدة تصاعد المعارضة للعدوان الذي يهدد البيت الأبيض بشنه على العراق، وخصوصا في أوساط الديمقراطيين في الكونغرس وخارجه الذين يتهمون الرئيس الأميركي جورج بوش بأنه يبحث عن هدف سهل لتحقيق انتصار لم يستطع حتى الآن أن يحرزه في حربه على ما يسميه «الإرهاب». وكان أبرز الأصوات في هذا المجال نائب الرئيس الأميركي والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأميركية ألبرت غور، الذي أعلن في تحدٍ صريح لخطط البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي ان أي عمل عسكري أميركي أحادي الجانب ضد العراق سيؤدي إلى التحول عن الحرب على الإرهاب.
وقال غور، الذي يستعد للتنافس لدخول البيت الأبيض العام 2004 «اعتقد أنه يجب على الكونغرس التساؤل لماذا يعتقد الرئيس أن شن هجوم أحادي الجانب لن يضر بشدة الحرب ضد الإرهاب».
وأضاف قائلا في نادي الكومنولث في سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا: «اعتقد أن القرار الذي طالب الرئيس الكونغرس بإجازته يخول صلاحيات واسعة ويجب تضييقه بشده».
وأشار غور إلى أن الحكومة الأميركية تتسرع وأن الولايات المتحدة يجب أن تركز على الحملة الجارية للقضاء على الإرهاب «وليس القفز من مهمة قبل اكتمالها إلى أخرى. يجب أن نركز على الحرب ضد الإرهاب».
وبدوره شن الزعيم السابق للغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ روبرت بيرد (عن ولاية ويست فرجينيا) هجوما شديدا على بوش متهما إياه بالسعي إلى الحرب ضد العراق لحرف أنظار الرأي العام الأميركي عن فشله في حل المشاكل المحلية المتنامية. وقال في مداخلة له في مجلس الشيوخ: «إن هذه الحكومة ومن دون مقدمات تريد شن حرب ضد العراق» مضيفا ان «الاستطلاعات السياسية في انحدار، والوضع المحلي مليء بالمشاكل... وفجأة فإن لدينا هذا الحديث عن الحرب، حماسة الحرب، أبواق الحرب، وطبول الحرب، وغيوم الحرب». وقال «لا تقولوا إن الأمور فجأة سارت خطأ. فبالعودة إلى أغسطس/ آب الماضى، لم يكن لدى الرئيس خطط. وفجأة فإن هذه البلاد تسير نحو حرب».وتساءل بيرد هل إن السياسيين يتحدثون عن الوضع المحلي، وهبوط سوق الأسهم، وضعف الاقتصاد، وفقدان الوظائف ومشاكل السكن، وأجاب عن ذلك بأن السياسيين لا يتحدثون عن ذلك.
وحذر بيرد من قرار خليج تونكين الذي أجازه الكونغرس في السابع من أغسطس 1964 الذي منح الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون سلطات واسعة لتصعيد الحرب في فيتنام التي أسفرت عن مقتل 58202 أميركي وملايين الفيتناميين والآسيويين. في إشارة إلى معارضته منح الرئيس بوش صلاحيات الحرب التي يريدها حين قدم الخميس الماضي مشروع قرار بذلك. إلى أن الموافقة على طلب بوش ستهمش دور الكونغرس وقال محذرا: «ليس هناك من شيء سيرضي هذا الرئيس أكثر من حصوله على شيك على بياض من الكونغرس». وقال: «إن إيمانه بالدستور الأميركي سيمنعه من التصويت لصالح قرار بوش بالحرب ضد العراق». واضاف: «ولكنني أرى بأن الدستور لا قيمة له لدى جماعة هذه الحكومة».
وانتقد بشدة طلب بوش صلاحية شن «هجمات وقائية» وإرسال قوات عسكرية إلى العراق وإيران وسورية ولبنان واليمن والضفة الغربية وإلى كل مكان في الشرق الأوسط وقال: «لا يمكنني أن أصدق وقاحة وغطرسة البيت الأبيض في طلب منحه مثل هذه السلطات الواسعة. إن هذه هي أسوا شيء في سياسات عام الانتخابات».
وعبر عضوا مجلس الشيوخ الديمقراطيان بيل نيلسون (عن ولاية فلوريدا) وهيلاري كلينتون (عن نيويورك) عن تأييدهما لما قاله بيرد.
وقال بيرد: «قبل أن تلزم هذه البلاد نفسها بالسير نحو حرب، وقبل أن نرسل أولادنا وبناتنا إلى معركة في أرض بعيدة جدا، فإن هناك أسئلة حساسة يجب أن توجه. وحتى الآن فإن الإجابات من الحكومة هي أقل إقناعا».
وكرر بيرد اتهامه للرئيس بأنه فشل في إعطاء اعضاء الكونغرس اي دليل عن أي خطر مباشر من العراق، كما انتقد بشدة خطاب بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 من الشهر الجاري وقال: «بدلا من تقديم دليل مقنع بأن النظام العراقي قد اتخذ خطوات لتطوير برنامج أسلحته، فإن الرئيس قدم للولايات المتحدة مزيدا من التحذير أكثر من المناشدة بالتأييد».
وأضاف: «بدلا من استخدام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم دليل وإثبات لادعاءاته، فإن الرئيس أبلغ الأمم المتحدة بأن العالم يجب عليه أن يكون معي أو ضدي». ودعا بيرد الكونغرس إلى ضروة أن لا يرضخوا للموافقة على غزو العراق «حتى نستنفذ كل خيار آخر لتقييم وتصفية ما يفترض أنه أسلحة العراق ذات الدمار الشامل، ويجب علينا أن لا نعمل لوحدنا، ويجب أن نحصل على دعم العالم».
وأكد بيرد الذي يعتبر من أبرز أعضاء مجلس الشيوخ وأقدمهم ويحظى باحترام واسع بأن الكونغرس يحتاج إلى دليل قاطع وأجوبة عن عدد من الأسئلة المحددة من بينها:
هل يشكل صدام حسين تهديدا مباشرا للولايات المتحدة؟ هل ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل ضد العراق منفردة؟ كيف سيكون رد الفعل في الشرق الأوسط والعالم؟ كم سيقتل من المدنيين في العراق؟ كم عدد القوات الأميركية التي ستشارك؟ كيف سنتحمل هذه الحرب هل سترد الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية إذا استخدام صدام حسين أسلحة كيماوية أو بيولوجية ضد الجنود الأميركيين؟ هل تملك الولايات المتحدة موارد عسكرية واستخبارية لخوض حروب في افغانستان والعراق، فيما تقوم بتعبئة مواردها لمنع هجمات على أراضينا؟.
وقال بيرد بان قرار صلاحيات الحرب الذي اقترحه بوش هو «تحقير وإهانة لصلاحيات الكونغرس». وعبرت نائبة زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب وعضو لجنة الاستخبارات التابعة له نانسي بيلوسي عن شكوكها في تطوير النظام العراق لأسلحة الدمار الشامل، وقالت: «كعضو رفيع في لجنة الاستخبارات لم أر ما يدل على أن صدام حسين يمتلك المقدرات لتطوير أو لإطلاق أسلحة نووية».
وقال العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي دينيس كوسينيش (من ولاية أوهايو) الذي يقود المعارضة للحرب ضد العراق، بأن مواطني دائرته الانتخابية في ولاية ويسكانسون ذهلوا إزاء الاتجاه الذي تتخذه الحكومة الأميركية، فإن عضو مجلس الشيوخ روس فينغولد قال إن الحكومة الأميركية «تطلب القمر من دون أن تقدم اي معلومات جادة ومن ثم تدعو أولئك الذين لا يؤيدوها بأنهم متقاعسون».
وتزامن تصاعد انتقادات الديمقراطيين للحرب ضد العراق مع صدور تقرير لجنة الموازنة في الكونغرس عن تكاليف مثل هذه الحرب التي قال التقرير إنها قد تصل إلى 60 مليار دولار حتى وان كانت سريعة وناجحة، وان الفاتورة النهائية ربما ترتفع إلى 200 مليار دولا مع اي مشاكل اقتصادية لاحقة اوسع نطاقا.
واعد التقرير الديمقراطيون في لجنة الموازنة في مجلس النواب، ويأتي فيما يناقش الكونغرس طلب الرئيس منحه سلطة استخدام القوة اذا لزم الامر.
وفي الاسبوع الماضي قدر كبير مستشاري بوش للشئون الاقتصادية لوارنس لينزي كلفة الحرب بين مئة ومئتي مليار دولار الا ان مدير الموازنة في البيت الابيض ميتش دانييلز سارع إلى القول بأن الرقم «من المحتمل ان يكون مرتفعا جدا». ويركز التقرير على الكلفة المبدئية لتحقيق نصر عسكري أميركي في العراق استنادا إلى تجربة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق في العام 1991 والحرب بين العراق وإيران وافتراضات «متفائلة إلى حد كبير».
ويفترض الديمقراطيون ان الحرب ستستمر بين 30 و60 يوما بمشاركة ما بين 125 و250 الف جندى اميركي، وانها لن تواجه مقاومة تذكر، ولن تتعرض إلى هجوم باسلحة كيماوية أو بيولوجية.
وفي ظل هذه الظرف يتكلف الهجوم بين 31 مليارا و60 مليار دولار وترتفع إلى ما بين 48 مليارا إلى 93 مليار دولار اذا جرى حساب الفائدة.
واشار إلى ان اي انتصار عسكري مبدئي لن يكون سوى مرحلة اولى من اي عمل ولم تشمل التقديرات كلفة الاحتلال الطويل أو اي نفقات غير عسكرية.
ويقول التقرير: «عندما تحسب التكاليف الاخرى مثل المساعدة الانسانية للاجئين واعادة هيكلة المساعدة والمساعدات المقدمة لدول اجنبية لتقديم تسهيلات للقوات الاميركية وكلفة الفائدة نتيجة زيادة حجم الاقتراض لتمويل التكاليف الاخرى فإن الإجمالي يمكن ان يرتفع بسهولة إلى مئة مليار دولار». ويضيف: «اذا كان للحرب تأثيرها السلبي على الاقتصاد الاميركي أو العالمي أو استمرت فترة اطول أو قوبلت بمقاومة اشد فقد يتضح لسوء الحظ ان مبلغ 200 مليار دولار تقدير معقول»
العدد 21 - الخميس 26 سبتمبر 2002م الموافق 19 رجب 1423هـ