يعتبر حق التقاضي واحدا من أهم حقوق الإنسان التي حرصت دساتير غالبية الدول المعاصرة على تكريسها في نصوصها ومنها الدستور البحريني، فقد نصت الفقرة (و) من المادة (20) بشأن الحقوق والواجبات العامة على أن «حق التقاضي مكفول وفقا للقانون».
وانطلاقا من هذه المادة فإن من حق أي شخص كان أن يقاضي أي شخص أو جهة أو مؤسسة أو كيان يرى أنها تعرضت له وأدت إلى الإضرار به ماديا أو معنويا.
ما يدفعني لهذه المقدمة، هو تعالي عدد ممن هم محسوبون على الإعلام وبالخصوص الصحافة على هذا الحق، وخروج منظمات تصدر بيانات تطالب أطرافا بسحب دعاوى قضائية ضد أطراف صحافية، في محاولة لمصادرة ذلك الحق من خلال استغلال قوى معينة في اتجاه معين. لماذا نرفض نحن معشر الصحافيين التقاضي؟
سؤال حيرني وأنا أراقب المشهد الإعلامي في البحرين، فكل القضايا ضد الإعلاميين تسير في منحى واحد وهي أن الإعلامي مظلوم ومسكين ومضطهد، والشاكي ظالم ومتجبر ويريد أن يصادر الحريات والديمقراطية، فأثارني هذه الطرح الغريب العجيب، إذ من يصادر حق من؟ هل الشاكي أم المشتكي؟
بالطبع من حق كل طرف أن يدافع عن وجهة نظره، ولكن هل من حق طرف أن يصادر حق آخر؟ هل من حقنا نحن معشر الصحافيين أن نستغل موقعنا وصحفنا للتشهير بأي شخص، ونقول لهذا الشخص: هذه حرية تعبير فلا تقاضني، وعندما تقاضيني وهو حقك في دفع الضرر عنك، فإنك تصادر حقي في التعبير عن الرأي.
القضاء وجد من أجل حل مثل هذه النزاعات التي يختلف فيها الرأي، ليحترم بعد ذلك كل طرف قرار القضاء كسلطة محايدة لا تقف مع أية جهة، ومن هنا نقول: يجب على الصحافيين الواثقين من أنفسهم ألا يخافوا من القضاء أو يضغطوا في اتجاه إجبار المشتكي من خلال شتى الوسائل سحب دعواه القضائية عبر منظمات دولية ومقالات وحملة تشهير ودعم وغيرها، فهل هذا خوف من الوقوف أمام السلطة القضائية أم ماذا؟
العمل الصحافي يقوم على أساس التأكد والحرفية والدقة والمهنية وبالتالي عندما يقدم أي صحافي على أي خطوة يجب أن يكون واعيا وعارفا لمآخذها القانونية تحسبا لأي محاسبة، وأن يكون واثقا من نفسه عندما يكون له شرف التقاضي والوقوف أمام الحَكَمَ ليدافع عما فعله، لا أن يستجدي غيره للدفاع عنه. هل الصحافي ذو حصانة من القضاء؟
بالطبع لا، الصحافي إنسان يجب أن يحاسب عندما يخطئ، وألا تكون على رأسه ريشة صحافية تحميه من المحاسبة، وإلا فإننا سنكون جبابرة نشتم من نريد ونقذف من نشاء بغير حساب أو رقيب باسم الحرية والتعبير عن الرأي والديمقراطية التي نفرضها على الجميع ونطردها عندما تقف على بابنا. نعم، نحن مع عدم حبس الصحافي على رأي وألا يطبق عليه القانون الجنائي بل المدني، ولكن ضد ألا يقاضى لأنه يعبر عن رأيه حتى وإن أساء للآخرين، نعم يجب أن يعلن أي صحافي شريف أنه مستعد للوقوف أمام أي شخص دفاعا عما خطت يده إيمانا منه بعدالة قضيته، وإلا فإن مواقفه ستصبح ضعيفة مهزوزة عندما يستجدي الآخرين للضغط في اتجاه إسقاط القضية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2099 - الأربعاء 04 يونيو 2008م الموافق 29 جمادى الأولى 1429هـ