يمر الفعل من الحلم ثم الرغبة ليحط رحاله بالانجاز، ولكن ليس بالمحافظة الجنوبية فالمتتبع للمحافظة سيلاحظ أن هناك مجمعات تفتقر الى ابسط ما تحتاجه القرى المبتدئة دون مغالاة بالأخص الرفاع القديمة، حيث الكثير يتساءل عن أسباب عدم توفيق كثير من القطاعات للنهوض بنفسها في المحافظة وأعضاء المجلس البلدي، إذ نجد المجهود المبذول منحرفا إما لقلة خبرة أو جهل أو عدم مبالاة...
وهنا اقول بما أن البحرين لديها التوجه المثالي في وجهة نظر القائمين عليه وهو وضع الخطة الاستراتيجية لتطوير المحافظات من خلال الكفاءة التي تعمل بها لتحقق التنمية المنشودة، حيث المرسوم بقانون رقم 28 لسنة 2005 بشأن نظام المحافظات مادة 8 تقول: يعتبر المحافظ ممثلا للسلطة التنفيذية في حدود محافظته، ويتولى الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة ومتابعة مشروع خطة التنمية في نطاق المحافظة، هذا إلى جانب عضو المجلس البلدي غير المسلح بالكفاءة المعرفية، والدليل على ذلك أن عدد موظفي مجلس بلدي الجنوبية لا يتعدى عشرة لخدمة تركيبة سكانية تفوق 44764 ألف نسمة ناهيك عن المساحة التي لا تقل عن 59.7 في المئة من المساحة الاجمالية للبحرين، بمعني أن عضو المجلس البلدي يأخذ دور المحرر والمتابع والسائق والمشرف ناهيك عن مركزية رئيس المجلس.
ولتأطير هذه المقدمة دعونا نعرج على ما هي الاساسيات المهمة للقائمين على المحافظة وأعضاء المجلس البلدي والتي تنضوي تحت مهماتهم، والتي لم يتطرق لها رئيس المجلس في احدى الندوات في الرفاع لا من قريب ولا من بعيد بجهل أو لعدم دراية باعتقادي.
إن من اولويات عضو المجلس، التخطيط العمراني، الإسكان والنسيج الاجتماعي، النظافة العامة، الصرف الصحي، الاراضي العامة، البيئة البحرية، المحميات الطبيعية، تطوير بنية المرافق والخدمات، الميادين العامة، العمليات الانشائية، الحوادث المرورية، الملوثات الغازية، الاكتظاظ المروري، التخطيط البيئي، الأسواق المركزية، الطفولة والشباب، دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، لا أعلم أين يقف السادة القائمون على المحافظة الجنوبية ورئيس المجلس البلدي المخضرم من هذه الالتزامات.
والغريب أن من فلسفة المحافظة بحسب ما هو مدون في الموقع الالكتروني النهوض بالمدن والقرى وتطويرها وتنميتها من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، ورعاية وتشجيع الأنشطة التربوية والتعليمية والرياضية والثقافية والصحية وغيرها. وتسهيل وتقريب أداء الخدمات للمواطنين وتحقيق أكبر قدر منها والتي تتطلبها الاحتياجات الضرورية للمواطنين.
وهنا نطرح تساؤلا: هل استطاعت المحافظة الجنوبية إحداث التغيير الحقيقي؟ وما مدى نجاح هذه التجربة في انعكاسها ايجابيا على حياة المواطنين اليومية على اعتبار أن المحافظة والمجالس البلدية وما تقدمه من خدمات ومشروعات لها دور رئيسي ومؤثر في حياة المواطنين في جوانب عديدة؟ ومن هذه التساؤلات نستطيع أن نستجمع ما يلي: هل استطاع المجلس البلدى التأثير على الجهاز التنفيذي في تطوير وتحسين المحافظة؟ وهل لمس المواطنون آثار أو نتائج ملموسة على مستوى الخدمات والمشروعات أو حتى الاجراءات؟ وهل استطاع المجلس حل المشكلات التنموية العالقة والمزمنة منذ أمد طويل كمشكلة إعادة تأهيل الاحياء المتدهورة والقديمة وايصال الخدمات الى المناطق الجديدة وإقامة مشروعات استراتيجية؟
من المفارقات أن هناك مشروعا قيد الدراسة باسم منتزه ومنتجع عين الحنينية تم عرض المشروع للمزايدة أمام المستثمرين، إذ سيقام على مساحة 400000 متر مربع يشمل ألعابا ترفيهية ومطاعم ومقاهي وبحيرة صناعية وحديقة حيوان ومنتجعا وملعب غولف... بالله على الداعمين لهذا المشروع، أليس من باب أولى أن يكون على هذه الأرض مشروع اسكاني حيث هذه المساحة لا تقل درجة استيعابها عن 5000 وحدة سكنية بدل مساحة الارض المخصصة لـ200 وحدة سكنية في الرفاع الشرقي؟
والسؤال الأبرز: ألا تملك المحافظة الجنوبية والمجلس البلدي عدد طلبات الاسكان التي لاتزال على قائمة الانتظار منذ سنة 1992؟
لسنا بصدد ايقاف المشروعات التنموية التي يعتقد بها البعض ولكن اردت القول إن استثمار الحجر هدف ولكن ليس على حساب سكن المواطن، علما بأن هناك أراضي وزعت أو وهبت لمشروعات بمنطقة جو وعسكر والزلاق والرفاع وكأن المحافظة الجنوبية معروضة للاستثمار بأكملها، ومن المعلوم أنه تم استثمار البحر حتى ولو كان على حساب الحياة البحرية والبحار المسكين باسم التنمية!
هنا أوجه التحية لإخواننا البحارة الذين على رغم المصاعب التي يواجهونها فإنهم مازالوا مصرين على الحصول على حقوقهم القانونية والاجتماعية. وهنا أقول إن من المتعين تدعيم حقوق صغار صيادي الأسماك الذين هم بالواقع جزء من هذا المجتمع الساعي إلى تحسين دخله بكرامة ودون تجاوز القانون، والذين هم في الأساس من يستحق تحسين مستواهم المعيشي كشريحة من المجتمع من ذوي الدخل دون المحدود، أي أن القليل من الأصول التي تملكها الأسرة من قوارب ومعدات بسيطة يتعرض لخطر دائم وأما إن فقد أحد أفراد الأسرة العاملين بسبب المرض أو حادث فقد ينبئ ذلك بكارثة، فلينتبه الغافلون والمزايدون على هذا المطلب.
أما بالنسبة إلى المجلس البلدي، فأقول: هل يعلم المجلس البلدي أن هناك موافقة مبدئية لإنشاء مستشفى يحمل اسم الرفاع الغربي في الرفاع الشرقي؟! وهل تعلم المحافظة بأن غياب الآلية بين المحافظة والمجلس والنواب والمجتمع، جعلت هناك هوة بين ذلك النسيج، هذا إلى جانب ضعف التخطيط وغياب التواصل ومركزية القرار؟
أثمن هنا إصدارات المحافظة من كتب ومطبوعات والمجهود الذي يبذل في موسم التخييم ومشروع الأسر المنتجة وكمبيوتر لكل أسرة.
ولكن يرجع هذا النقد الى القصور الذي صاحب هذه المؤسسات وما تبع ذلك من تأخر تنفيذ الخطط المرجوة، حيث هذا السيناريو بسلبياته شكل عائقا أمام قبول الفرد العادي بمبدأ المشروعات التنموية والخدمية وبالتالي برز نفور المواطن العادي من قبول المرشحين للتجربة الانتخابية، حيث من المفترض في ظل المشروع الاصلاحي التركيز على القياس الكمي لأداء الجهاز الحكومي. وإذا أردنا حل معضلات المواطن بالمحافظة الجنوبية والمواطن البحريني عموما، فيجب نشر وتعميم مفاهيم مقاييس الأداء المعمول بها في هذا المجال في دول ومنظمات عالمية بهدف الاستفادة من إمكانية تطبيقها في جهات مشابهة في البحرين تحمل جميع أوجه القصور بدلا من عدم وجود هذه المقاييس، حيث دون ذلك تزيد الصعوبات التي تواجه تمويل القطاعات العامة والتي تتطلب استيعاب طرق جديدة لتحسين الأداء، كما أن التركيز على الرقابة التقليدية لم يعد كافيا للحكم على الأداء الحقيقي، ما يضعف عملية المساءلة ويفقدها دورها المرتجى في الإصلاح والتطوير.
وغياب الأهداف الكمية القابلة للقياس يضعف من عملية التخطيط، كما أن المقاييس الكمية للأداء الحكومي أساسا هو لضمان البعد الإداري والمؤسسي في خطط التنمية، ولكن غياب القياس الكمي لأداء الأجهزة الحكومية وجهل الأعضاء البلديين والنواب وتجاهلهم لبرامجهم الانتخابية، إلا من رحم ربي، يجعلهم غير مدركين لاستغلال هذه الموارد، لتحقيق الأهداف المحددة بالكفاءة والفاعلية المطلوبة.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2098 - الثلثاء 03 يونيو 2008م الموافق 28 جمادى الأولى 1429هـ