ساهم البنك الإسلامي للتنمية منذ إنشائه في تقديم تمويل ميسر جدا لأعضائه من الدول الإسلامية الأقل نموا (معظمها تقع في القارة الأفريقية جنوب الصحراء). وشمل ذلك تمويل التجارة والمساعدات الخاصة والقروض الميسرة جدا والتي قدمت بدون رسوم تذكر ولمدة تتراوح بين 15 و25 سنة. وقد بلغ مجموع هذه التسهيلات قرابة 11 مليار دولار.
كما بدأ البنك منذ عقد من الزمان بإعطاء القطاع الاجتماعي أولوية خاصة حيث قرر اعتماد 50 في المئة من قروضه لهذه الدول ليكون الصرف منها منحصرا في القطاع الاجتماعي. فأعطى أولوية لإيجاد الوظائف وتنمية الريف بما في ذلك توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب ونشر التعليم والخدمات الصحية.
وبناء على قرار مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الثالث الذي عقد في مكة المكرمة في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2005 تم تأسيس صندوق خاص ضمن مجموعة البنك سمى «صندوق التضامن الإسلامي للتنمية» خصص له مبلغ 10 مليار دولار يتم استثمارها كوقفية تخصص مواردها لتنمية الدول الإسلامية الأقل نموا (معظمها من الدول الإفريقية جنوب الصحراء). وقد أعلنت المملكة العربية السعودية تبرعها بمبلغ مليار دولار لهذا الصندوق. وانسجاما مع هذا التوجه قام البنك بوضع برنامج للخمس سنوات القادمة يمول من عوائد هذا الصندوق ومن أية موارد اضافية يحصل عليها البنك. وسيركز هذا البرنامج على التدريب والتعليم وتمويل المشاريع متناهية الصغر ومحاربة الأوبئة الفتاكة مثل نقص المناعة والملاريا وتوفير الخدمات الصحية والمياه الصالحة للشرب. وسيعتمد نجاح هذا البرنامج على الشراكة بين الحكومات المركزية والسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.
لماذا نجح البنك دون غيره
من مؤسسات التنمية؟
في تقديري وبحكم معايشتي لعدد من مؤسسات التنمية الإقليمية والدولية هناك عاملان رئيسيان ساهما في نجاح البنك:
الأول: هو الموقف الداعم من قبل الدولة المضيفة. فقد شجعت المملكة العربية السعودية البنك على التقدم بمبادرات زيادة موارده وتوسيع عملياته، فهى الدولة السباقة إلى تشجيع البنك على الزيادات المتتالية في رأسماله واستخدام ما لديها من رصيد سياسي لتشجيع الدول الأخرى على القبول بهذه الزيادات، كما ساهمت بسخاء في توفير موارد مالية للنوافذ الأخرى التي اقترحها البنك، يدفعها لذلك الايمان بوحدة مصير الأمة ونجاح البنك بالتصدي للقضايا التنموية للدول الإسلامية . ويكفي للتدليل على ذلك القفزات المتتالية في رأس المال المصرح به من 2000 مليون دينار إسلامي عند التأسيس (يساوي الدينار الإسلامي وحدة واحدة من حقوق السحب الخاصة حسب صندوق النقد الدولي) إلى 30.000 مليون دينار إسلامي في الوقت الحاضر، ولرأس المال المصدر من 750 مليون دينار إسلامي عند التأسيس إلى 15.000 مليون دينار إسلامي في الوقت الحاضر. وآخر هذه المبادرات إعلان خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - في مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الثالث في مكة المكرمة بتبرع المملكة بمبلغ مليار دولار للمساهمة في حشد الموارد لـ»صندوق التضامن الإسلامي»، كما سبقت الإشارة.
ولم يسبق للمملكة أن تدخلت في شئون إدارة البنك أو توجيه عملياته بما يخدم مصالحها أو توظيف المحسوبين أو الاستفادة من نشاطات وقروض البنك لترويج منتجاتها أو تفضيل مقاوليها.
الثاني: هو الكفاءة الإدارية التي تسيرها روح الرسالة، فكل فكرة تطرح وكل مبادرة يتم تبنيها وكل مشروع يقدم كان دائما الهدف منها تحقيق النمو الاقتصادي والسلام الاجتماعي للأمة وتقدمها العلمي والتقني ومحاربة ما تعانيه من الفقر والمرض والجهل. وحتى على المستوى الشخصي نجد أن رئيس البنك ليست له أهداف أو طموحات في الحياة إلا رقى البنك ونمو عملياته وزيادة موارده وتقديم المزيد من الخدمات في سبيل الرخاء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي للأمة. ورغم تقدم سنه إلاّ أنّه أول الداخلين إلى بناية البنك في الصباح الباكر وآخر المغادرين. وهو دائم التجوال في العالم الإسلامي ويزور الدول الصغيرة قبل الكبيرة لتلمس احتياجاتها والاستماع إلى توجيهات مسئوليها دون أن يكون بصحبته مساعدين أو مرافقين أو خدم يحملون أمتعته أو يهتمون بشخصه. وإجازاته السنوية لا تزيد عن 17 يوما يسرقها بعد الاجتماعات السنوية لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وللمقارنة فإن الإجازات السنوية لأحد مدراء صناديق التنمية العربية الكبيرة لا تقل عن أربعة أشهر في السنة كما أنني لا أتذكر أن هذا المدير منذ أن تسلم وظيفته الحالية قبل أكثر من عشرين عاما قد قام بزيارة أهم وأقرب دولة مساهمة في الصندوق الذي يديره وهى المملكة العربية السعودية.
تعبئة الموارد
يمكن النظر إلى أربعة مجالات على الأقل أتبعها البنك لتعبئة المزيد من الموارد لتمويل عملياته:
1 - الزيادات المتتالية في رأسماله - كما سبقت الإشارة - واستحداث مؤسسات ونوافذ جديدة للقيام بأعمال محددة (المؤسسة الإسلامية لتنمية النظام الخاص، المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات، المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة) ويوجد حاليا تحت تصرف هذه المؤسسات مبالغ تصل إلى 1.500 مليون دولار. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه نتيجة لنجاح البنك في مهمته التنموية فإن الدول الإسلامية الرئيسية أصبحت تتسابق على زيادة مساهماتها في رأسماله وإيجاد أعضاء دائمين يمثلونها في مجلس إدارته، فقد وصلت مساهمات سبع دول من أعضائه الـ 56 ما نسبته 77.7 في المئة من رأسماله.
2 - إنشاء صناديق استثمارية يتبناها البنك أو يديرها كمضارب ويساهم فيها الآخرون بهدف الربح ويستخدم البنك مواردها لزيادة عملياته في الدول الأعضاء مثل محفظة البنوك الإسلامية وصندوق حصص الاستثمار وصندوق استثمار ممتلكات الوقف وصندوق الهياكل الأساسية. وتبلغ الموارد التي تمت تعبئتها عن طريق هذا المصدر 1.700 مليون دولار استطاع البنك عن طريقها تمويل 524 عملية وصلت مبالغها إلى 6.5 مليارات دولار.
3 - القيام بعمليات التمويل أو الإدارة نيابة عن الآخرين ومن ذلك مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي وإدارة كل من صندوق انتفاضة القدس الذي يبلغ رأسماله 200 مليون دولار وصندوق الأقصى الذي يبلغ رأسماله 800 مليون دولار، وإدارة برنامج المصرف العربي للتنمية في أفريقيا لتمويل التجارة العربية الأفريقية والذي سيصل المبلغ المخصص له إلى 100 مليون دولار وسبق أن أجرى عمليات تمويلية في 14 دولة أفريقية وصلت مبالغها إلى 188 مليون دولار.
4 - اللجوء إلى السوق المالية الإقليمية والدولية عن طريق إصدار أدوات الدين المنسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل عمليات المرابحة المعاد تدويرها و الصكوك والتي أصدر البنك منها ما يقارب 900 مليون دولار ولاقت استقبالا جيدا من السوق المالية الدولية.
ونتيجة لذلك فإنه من المتوقع أن يقوم البنك بالتوسع في إصدار الصكوك، مدعوما بالتصنيف الجيد الذي حصل عليه من مؤسسات التصنيف الدولية. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى الملاحظة التي أكدها وزير المالية السعودي إبراهيم العساف أثناء افتتاحه للحلقة المشار إليها:
«... لعل ما يؤكد تطور البنك واحتلاله لمركز مرموق بين مؤسسات التمويل الدولية حصوله مؤخرا على أعلى تصنيف ائتماني للمدى الطويل مع تأكيد التصنيف القصير الأجل. إن الحصول على التصنيف الجديد وإدراج البنك كمؤسسة مالية تنموية متعددة الأطراف ذات درجة مخاطر صفر من قبل كل من لجنة بازل للاشراف المصرفي والبرلمان الأوروبي مؤخرا هو أمر بالغ الأهمية وله دلالاته على سمعة ومكانة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، ويعكس قناعة مؤسسات التصنيف العالمية بملاءة البنك المالية وما يحظى به من كفاءة وشفافية في هذا المجال...».
ملاحظات ختامية
أثناء سعى البنك لتعبئة المزيد من الموارد لتوسيع عملياته الهادفة إلى دعم البرامج التنموية للدول الأعضاء لا بد أن يضع ضمن أولوياته المزيد من اللجوء إلى الأسواق المالية الإقليمية والدولية. وفي هذا الصدد يمكن إبداء الملاحظات التالية:
أ- كان البنك سباقا إلى تبني فكرة الصكوك والترويج لها واستخدامها في عملياته التمويلية وتشجيع أعضائه على ذلك. إلاّ أنّه عندما تفجر النقاش حول آلية وشرعية هذه الصكوك كان البنك غائب تقريبا عن الساحة، فلم يسمع له رأي أو موقف مدافع أو مخالف أو مقرّب لوجهات النظر. ونظرا لأهمية هذه الأدوات لتعبئة الموارد التي يحتاجها البنك وفي منظومة التمويل الاسلامي لابد من رعايتها وحمايتها وشفافيتها ونقائها من كل الشبهات.
ب - يعمل البنك باستمرار على ابتكار أدوات تمويل جديدة في مجالات التجارة والاستثمار والتأمين... إلخ. ولتشجيع الدول الأعضاء والمستثمرين الآخرين على المساهمة في هذه الأدوات والمؤسسات يقتطع البنك لنفسه حصصا مؤثرة في رؤوس أموال هذه الأدوات. قد يكون من المناسب حصر مساهمة البنك بنسب قليلة من رؤوس أموال هذه المؤسسات أسوة ببنوك وشركات الاستثمار الدولية طالما أن البنك يحتفظ لنفسه بإدارة هذه المؤسسات كمضارب.
ج- أثناء عمليات توسيع وزيادة نوافذ البنك المختلفة ولجوء هذه النوافذ من وقت لآخر للأسواق المالية لتمويل عملياتها قد تتنافس هذه النوافذ والمؤسسات فيما بينها. لذا لابد من وضع تصور لمعالجة ذلك في حال بروزه مستقبلا وإعادة هيكلة دوائر البنك لتكون قادرة على التعامل مع مثل هذه الظاهرة. ولا أدلّ على ذلك من استخدام موارد صناديق حصص الاستثمار ومحفظة البنوك الإسلامية الذين تديرهما إدارة الأصول في البنك لتمويل عمليات البنك العادية والصفقات التجارية عن طريق المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة وأن تلجأ هذه المؤسسة تدريجيا إلى السوق المالية مباشرة لتمويل عملياتها وأن تقوم في فترة لاحقة بإنشاء صناديق استثمارية متخصصة لتمويل تجارة أنواع مختلفة من السلع وإصدار الصكوك المبنية على البضائع التي يتم تمويل تجارتها.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله القويز "العدد 2097 - الإثنين 02 يونيو 2008م الموافق 27 جمادى الأولى 1429هـ