العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ

البحرين تدخل واشنطن بسفيرة يهودية لا تتكلم العبرية

الحدث أن يتم اختيار يهودية سفيرة للبحرين في واشنطن، وما وراء الحدث كان السؤال الذي دار همسا في المنتديات السياسية وبين أروقة صناع القرار إلى أين بعد واشنطن؟ هل ستستقر هناك أم أن مفاجأة أخرى منتظرة ستعلن في حينه على خلفية قرع الأبواب المغلقة بين عواصم خليجية وعاصمة «الأعداء»؟ سؤال ينم عن نوايا خبيثة تدس السم في العسل، وتذهب إلى المكان الخطأ بالتحليل.

عندما صدر المرسوم الملكي بتعيين هدى عزرا نونو في وزارة الخارجية البحرينية، أصبحت ثالث امرأة بحرينية تتولى منصبا قياديا بالدبلوماسية بعد الشيخة هيا آل خليفة الرئيسة السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة والسفيرة المعينة في فرنسا حاليا، وبيبي العلوي التي تشغل منصب سفير لدى الصين، وقد تستكمل التعيينات على مستوى الدول الأعضاء الخمس الدائمة في مجلس الأمن بعد واشنطن وبكين وباريس، وتظهر أسماء نسائية في لندن على سبيل المثال، وبذلك تكون البحرين من أولى الدول الخليجية وأكثرها تمثيلا للمرأة على المستوى الدبلوماسي.

هدى عزرا نونو ستكون في أهم موقع سياسي يمكن أن يمثله دبلوماسي والدور الذي ستلعبه، وخصوصا في ضوء العلاقة الخاصة والحميمة التي تربط البحرين بأميركا وهي علاقة تسير في الاتجاهين ولا ثالث لهما، فالبحرين لم تجار أشقاءها في قطر والسلطنة بفتح مكاتب لـ «إسرائيل» في مدنها، وبقيت ملتزمة بسياسة معلنة تقوم على عدم الاعتراف بتل أبيب، على رغم اللقاءات التي تمت بين وزيري خارجية البلدين وكادت تتسبب بأزمة سياسية كبرى داخل البحرين...

كان اختيارا موفقا من قبل القيادة السياسية في البحرين أن تكون مواطنة بحرينية من أصل يهودي سفيرة لبلادها في أميركا، وهو اختيار حمل أكثر من رسالة وعنوان منه بأن هذه الدولة الخليجية تعترف بكل الأقليات والمذاهب، وتحمي حقوقها المدنية والسياسية على رغم أن الديمقراطية المعمول فيها عبر صناديق الاقتراع تأتي عادة بالأكثرية، ومنها أنها فعلا لا تمارس أية تفرقة ضد اليهود (كيهود)... وكأنها تقول لواشنطن وللعالم: صحيح أننا دولة صغيرة الحجم، ولكننا نؤمن بعدم التمييز العنصري، ونتعامل مع اليهود كمواطنين أسوياء بعكس الصديقة العزيزة على أميركا، أي «إسرائيل» التي تضطهد وتحرم العرب الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والسياسية سواء داخل «إسرائيل» أو في فلسطين حيث الكارثة الكبرى.

هدى عزرا نونو اختيرت في مجلس الشورى العام 2006 لتمثيل المقعد اليهودي الذي جرى العرف على تمثيله لأحد أبناء الجالية اليهودية، وجاءت بعد ابن عمها عضو المجلس السابق إبراهيم داود نونو بعد تشكيله في سبتمبر/ أيلول 2000، في الوقت الذي تم اختيار أليس سمعان عن الطائفة المسيحية التي يصل عددها إلى 1200 مسيحي بحريني جاءوا إليها من العراق وسورية، وذلك لإحداث توازن بتمثيل الأقليات بهدف تقديم رسالة تقول: نحن لا نتجاهل هذه المجموعات ولا نقوم بإقصائها أو تهميشها فهم بالنهاية مواطنون بحرينيون.

ترشيح هدى عزرا نونو فتح ملفات الأقليات في البحرين كملف اليهود الذين جاءوا إليها من العراق قبل نحو 120 عاما، وعددهم وفق تقدير الباحثة البحرينية اليهودية نانسي خضوري لا يتجاوز الـ 40 فردا ولديهم كنيس في حي القضيبية بالمنامة يمارسون فيه شعائرهم الدينية. وملف حقوق الإنسان يؤكد أن البحرين ليس فيها تمييز ضد اليهود أو المسيحيين أو ذوي الأصول الهندية، وأن للجميع حقوقا مدنية وسياسية متساوية.

هدى عزرا نونو هي ابنة رجل الأعمال اليهودي المعروف عزرا إبراهيم نونو صاحب ومؤسس أول شركة صيرفة في البحرين تحت اسم «شركة البحرين المالية»، عرف بالنزاهة وخبرته العريقة بالسوق المالي، وكانت شركته أول من أدخلت آليات التحويل السريع للأموال من البحرين وخارجها، لعب دورا كبيرا في حماية سوق المال من تداول بعض الصفقات المشبوهة إبان الغزو العراقي للكويت العام 1990.

أسرة هدى عزرا نونو مع أسرة روبين وخضوري ثلاث أسر تمثل الجالية اليهودية، عرفت أسرة روبين وهي من أصول عراقية بأنهم الوكلاء الوحيدون لمنتجات «شارب» اليابانية، أما أسرة نونو «الشورية» - نسبة إلى الشورى - فعرفت بخبراتها المالية والمصرفية واستيعابها لحركتي المال والتجارة، وبالتالي المساهمة بتقديم استشارات اقتصادية في لجان مجلس الشورى، وبعد وفاة والدها قبل سنوات آلت المؤسسة التي يمتلكها والتي لها فروع في مختلف مناطق مملكة البحرين إلى عمها وأشقائها.

عمرها السياسي لم يتعد السنتين منذ اختيارها من قبل الملك عضوة في مجلس الشورى 2006، ولكنها عرفت بنشاطها في مجال حقوق الإنسان، فهي تتولى منصب الأمين العام لجمعية البحرين لحقوق الإنسان منذ العام 2002 التي تركز على حقوق الإنسان والتشريعات الخاصة بالطفل وملاءمة القوانين للمعايير العالمية لحقوق الإنسان، وأعلنت في أكثر من مناسبة أن الجمعية تتبنى موضوع رعاية حقوق الأقليات والوافدين والأطفال الذين ضاعوا ولم يعودوا لأحضان أمهاتهم.

هدى عزرا نونو يشار إليها كواحدة من مجموعة شخصيات عرفت واشتهرت بالدفاع عن حقوق الإنسان أمثال: سبيكة النجار وعبدالنبي العكري وسلمان كمال الدين، وهي الداعية إلى اقتراح بتشكيل هيئة وطنية عليا لحقوق الإنسان لا تكون تحت وصاية الحكومة، بل تعبر عن منظمات المجتمع المدني الذي يضم الجمعية البحرينية للحريات العامة ودعم الديمقراطية وجمعية البحرين لحقوق الإنسان والتحالف المجتمعي لمناهضة العنف ضد المرأة.

تلقت دعما معنويا من ملك البحرين عندما استقبلها في قصر الصافرية العام 2007 مع زميلتها سبيكة النجار بتأكيده أن مسئولية الدفاع عن حقوق الإنسان ستبقى مسئولية أهلية مشتركة مدعومة من جميع العاملين، ولم تتردد في المطالبة بقوانين تجرم العنف ضد المرأة وأطفالها وإصدار قانون أحكام الأسرة، فهي ضد العنف بجميع أشكاله لأنه يشكل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنفيذ الكامل لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز والحريات، ووقفت ضد التقرير الحكومي لحقوق الإنسان الصادر في فبراير/ شباط 2008 الذي اغفل الكثير من الملفات المهمة كالتمييز ضد المرأة في الدوائر الرسمية على حد تعبيرها.

هي من النوع المتحفظ بآرائه الذي يزن كلماته بالقيراط، تميل إلى ممارسة نشاطها العام بعيدة عن الأضواء ربما لكونها من الأقلية اليهودية أو لان شخصيتها هادئة، تبتعد عن المناكفات والمشاجرات الكلامية والمعارك الإعلامية، ووجودها بالإعلام والصحافة يكاد يكون محدودا إلا فيما يقتضيه الدور والمنصب.

ولادتها بحرينية خالصة وفي مستشفى القلب المقدس بالمنامة، بعدما استقرت عائلتها في البحرين قبل 120 عاما عندما وصلت من العراق، ولم تتح لها فرصة تعلم اللغة العبرية، فدراستها كانت بين البحرين ولندن، أي عربي وانجليزي.

العدد 2094 - الجمعة 30 مايو 2008م الموافق 24 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً