على مدار الأعوام الماضية لم تغب أزمة المياه عن التجاذبات والمداولات السياسية والمتخصصة، ففي العام 2006 نظم معهد العالم العربي في باريس ندوة عن الأسباب التي أدّت إلى ندرة المياه وكانت مداخلة لرئيسة المعهد الدولي للدراسات الجيوسياسية زينة الطيبي عن الأزمة كأحد عوامل الخلاف بين «إسرائيل» والجانب العربي ومن جهة أخرى بين تركيا وكل من سورية والعراق، وقالت في تقرير نشرته صحيفة «الأهرام» المصرية بتاريخ 24يناير/كانون الثاني2006 لقد تحوّلت مشكلة ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط إلى مشكلة سياسية خطيرة لعدة أسباب منها أنّ متوسط كمية المياه التي يجب أنْ يحصل عليها الشخص سنويا هي 1700 متر مكعب ولكن عندما يصل المتوسط إلى أقل من ألف متر مكعب يبدأ القلق أمّا عندما يصل المتوسط إلى 500 متر مكعب فيمكن التحدّث عن «فقر» في المياه، ويرى الخبراء أن الوضع في الشرق الأوسط خصوصا في كل من فلسطين و»إسرائيل» والأردن حيث ينخفض متوسط المياه إلى ما دون 500 متر مكعب للشخص الواحد في السنة.
ومنها وجود خلل في توزيع المياه في المنطقة فـ»إسرائيل» تحصل على ثلثي احتياجاتها من المياه من مصادر خارج حدود 1948 فتحصل على ثلث احتياجاتها من الضفة الغربية ومصادر المياه في قطاع غزّة وثلث من بحيرة طبرية.
خلاصة البحث الذي قدّمته زينة الطيبي يقوم على تحذيرها من تزايد خطورة المشكلة بسبب تزايد الاحتياجات سواء تزايد عدد السكّان في المنطقة أربعة أضعاف خلال الخمسين عاما الماضية أو تزايد نسبة الأراضي المزورعة ولهذه الأسباب ارتبطت مشكلة المياه بالمشكلة السياسية وبالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
مستقبل المياه
يمكن القول إنّ الأزمة القادمة ومستقبل المياه في العالم العربي له صلة بمجموعة من المتغيرات والعناصر وهي مرتبطة بعضها ببعض الآخر، سواء بفعل التغيرات المناخية أو بعامل الإدارة غير الكفؤ أو بفعل التنافس والتناحر على هذا المورد وفي محيط أحواض النيل والفرات والأردن والتي تتحكم فيها دولا غير عربية هي أثيوبيا وتركيا و»إسرائيل»..
لكن يجدر التوقف قليلا هنا عند التقرير الذي قدمه «جون دفتريوس» وهو معد برنامج «أسواق الشرق الأوسط « في محطة الـ»سي أن أن» الذي يورد أرقاما وحقائق عن المنطقة بأنّ عدد السكّان فيها سيبلغ بحلول العام 2020 أكثر من 600 مليون نسمة، وهو رقم ضخم مقارنة بالموارد المتاحة، إذ أنّ منطقة الشرق الأوسط لا تتلقى أكثر من اثنين في المئة من إجمالي كمية الأمطار في العالم فيما لا تتجاوز مواردها الواحد في المائة من إجمالي الموارد العالمية ويقدر التقرير أن المطقة الخليجية فقط ستحتاج إلى قرابة 100 مليار دولار كاستثمارات خلال الأعوام الثمانية المقبلة في قطاع المياه.
موضوع المياه في المنطقة العربية يكتسب أهمية خاصة نظرا لمحدودية المتاح من مياه الشرب فالتصنيف العالمي يقول إنّ أي بلد يقل فيه متوسط الفرد من المياه بالسنة عن 1000 متر مكعب يعتبر بلدا يُعاني من الندرة بالمياه وبالتالي فإنّ هذه البلد يصبح في عداد الدول ذات الندرة المائية، فتقرير البنك الدولي يوضح أن متوسط نصيب الفرد السنوي من المياه في العالم العربي سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025 بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960 أي بانخفاض بنسبة 80 في المئة.
حرب أولا حرب
وبحسب المحاضر بالجامعة الأميركية بالقاهرة شريف الموسى فإنّ الفكرة الرئيسية وراء حروب المياه تتمثل في أنّ ندرة المياه يمكن أن تؤدّي إلى حرب... غير أنّ هناك الكثير من العوامل التي تحول دون اندلاع حرب بسبب ندرة المياه وأضاف إلى أنّ الخلافات السابقة بين البلدان المشتركة في أحواض الأنهار الرئيسية كان يجري احتواؤها بصورة عامّة قبل أنْ تتحوّل إلى حرب وأضاف «أن الظروف المهيأة لاندلاع حرب ليست موجودة مشيرا في ذلك إلى عدم وجود قوة عسكرية كافية والافتقار إلى الإرادة لشن هجوم لأنّ هذا النوع من الخلاف على تقاسم مصادر المياه يمكن أنْ يدفع كل دولة بالفعل لتحسين إدارتها ويجبر كلّ الدول على إظهار مسئوليتها بعدم إهدار المياه.
المشكلة ليست بالخليج
أمّا خالد أبوزيد من المجلس العربي للمياه فيرى أنّ على الدول العربية اتخاذ إجراء واسع قبل أن يزداد الوضع سوءا والمبادرة بعمل خطوات لزيادة وتحسين إدارتها لإمداد المياه ووضعها على رأس جدول الأعمال السياسي وزيادة التوعية العامة بشأن الحفاظ على المياه أمّا كيفية المعالجة فإن كبير مسئولي الموارد المائية «محمد بازا» بمنظمة الأغذية الزراعة الدولية (الفاو) لا يرى فائدة من تسعير المياه كما يطرح أو أنه كفيل بتقليص الاستهلاك فدول الخليج من وجهة نظره الغنية بالنفط قادرة على دفع كلف إقامة منشآت تحلية مياه الشرب لذلك فإنها لا تواجه مشكلة فيما يتعلّق بالحاجة إلى مياه تستخدم في الزراعة وأن كان بإمكانها الاستغناء عن المياه المستخدمة بالزراعة لقدرتها على استيراد الغذاء لكن المشكلة الحقيقية هي مع الدول الفقيرة التي ليس لديها ما يكفي من المياه المستخدمة لإنتاج الغذاء الذي تحتاج إليه ولا المال الكافي لاسترداده.
ومهما يكن من أمر ففي المحصلة هناك أزمة واقعة قد تأتي ببطء لكن لم تصل بعد إلى حد الحرب وإن كان هناك مَنْ يعتقد أن الصراع على المياه سيشكّل معادلات جديدة في المنطقة ستكون أشد حدة من الصراع على النفط أو هكذا يتبأون!
11 نزاعا حول المياه
عددت مؤسسة الاستشارات الدولية برايس ووتر هاوس - كوبرز» 11 منطقة تشكّل موضع خلاف قابل؛ لأن يتحوّل إلى نزاع وهي:
- تركيا - سورية - العراق بسبب السدود التركية التي بنيت فعلا او تدخل ضمن مشروعات مستقبلية لمياه نهري دجلة والفرات.
- إيران - العراق اللذان يتنافسان على شط العرب ملتقى دجلة والفرات.
- مصر - السودان - أثيوبيا حول مياه النيل.
- مصر - السودان - ليبيا - تشاد - النيجر التي يدور بينها خلاف على حقل مائي جوفي بعمق 800 متر. وتريد ليبيا استثماره لشق نهر اصطناعي لتمد بذلك سواحلها بالمياه العذبة.
- زامبيا - بتسوانا - زيمبابوي - موزمبيق حول تقاسم مياه نهر السنغال.
- الهند - باكستان حول استثمار نهر الأندلس.
- الهند - بنغلادش حول دلتا نهري الغنج وبراهما بوتري.
- أوزبكستان - كازاخستان - قرغيزيا - طاجيكستان حول نهر أمو داريا وسير داريا وبحر أرال.
- المجر - سلوفاكيا - حول محطة غبسيكوفو لتوليد الكهرباء الواقعة على نهر الدانوب.
- صربيا وكرواتيا بسبب «النقص المحلي» للمياه و» تحويلات التلوث» إلى نهري الدانوب والساف.
العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ