هذه المرة اللائذ بالفرار من مسيلات الدموع حمار! وهو المخلوق المعروف بصبره وقوة تحمّله، فكلما وضعت على ظهره من أحمال وأثقال ازداد نشاطا وحيوية وقوة، إلا أن قواه تلك انهارت أمام الغازات المسيلة للدموع فلاذ بالفرار إلى سوق جدحفص فلعلَّ روائح السمك “الزفرة” تطرد روائح الغازات الخانقة التي ملأت أجواء سوق جدحفص يوم الجمعة الماضي.
أضحكتني أبكتني الصورة التي التقطتها “عدسة الوسط” يوم الجمعة الماضي لهذا الحمار الذي لم تنقذه “حموريته” من استنشاق هذا المسيل الخانق، فصار ينقِّب عن ملجأ بين زقاق السوق ولات حين مناص! فعيناه كانتا تنزفان بالدموع، وهو الذي يحمل أضعاف وزنه ولا يذرف دمعة واحدة، فرباطة جأشه تكسّرت على أعتاب سوق جدحفص، وهذه القنابل المسيلة للدموع أسالت كرامته، وخدشت “حموريته” وأطاحت الكثير من هيبتها التي ورثها من آبائه وأجداده الحمير كابرا عن كابر.
ومهما كانت معضلة حمار جدحفص إلا أنه الأوفر حظّا بالتأكيد من قطة سترة التي ذاع صيتها قبل أشهر، إذ إنها لم تستطع الفرار واستلقت على ظهرها تعالج حرارة مسيلات الدموع، وهي المعروفة بالأرواح السبع إلا أن كل تلك الأرواح خرجت منها وبقيت جثة هامدة لا حراك فيها والمتهم بتلك الجريمة مع سبق الإصرار والترصد هو مسيل الدموع أيضا!
الحمار الفارّ بالتأكيد تفاجأ بما حدث له يوم الجمعة الماضي ولن يفوته تسجيل هذه الحادثة في مذكراته التي ينوي تسليمها إلى أحفاده الجحوش إن مدَّ الله في عمره بعد استنشاق هذا المبيد، وسيكتب لهم أنه كان يشعر بالأمان وهو يعيش بالقرب من الإنسان، ومع أنه حمار إلا أنه كان يعتقد أن في الوقت الذي تهدر فيه حقوق الحيوان في كل مكان فإن حقوق الإنسان بالتأكيد تصان! بفضل الرقابة الدولية في جنيف، فضلا عن الجمعيات الحقوقية التي تعمل ليل نهار على المطالبة بالمزيد من الحقوق، إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا له كحيوان أن ينعم بحقوق الإنسان، التي لم ينعم بها الإنسان نفسه، فكيف سينعم بها حمار في جدحفص أو قطة في سترة؟!
بعد هاتين المعضلتين الكبيرتين يحق للحمير والقطط والكلاب وحتى النمل أن تفرض على نفسها حظر التجوال في القرى التي لا تصون فيها مسيلات الدموع حقا واحدا للإنسان فكيف ستصون حقوقا كثيرة للحيوان؟! “... يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون” (النمل آية: 18).
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ