في عرفنا الاجتماعي يوصف من يقوم بموقف صلب وقوي بأنه «رجل»، وربما تعتبر أكبر إهانة توجه لشخص ما عندما تصفه بأنه «ليس رجلا». وعلى الرغم من عدم وجود تفسير «علمي» محدد لهذه «الإهانة»، أو تعريف دقيق لماهية «الرجولة» بالضبط، غير أن إهانة من هذا النوع كفيلة بأن تحفر في العمق، وتجرح، وتحدث ثورة لا أول لها ولا آخر.
في جلسة مجلس النواب البحريني الأخيرة، التي اختتم فيها المجلس أعماله بالصراخ والصياح و «الإهانات المتبادلة» بدلا من ختام المسك، وضعت «الرجولة» مرة أخرى على المحك، في إهانة أثارت أطرافا كثيرة في المجلس، ولا يزال الناس يتداولونها طويلا حتى اليوم.
بدأت القصة بالنائب محمد خالد الذي قال بصوت عالٍ أن ما يفعله نواب الوفاق «مسرحية»، وهي الكلمة التي استفزت النائب حمزة الديري فرد عليه «لا تهن النواب» ، فنهض خالد ليرد «نحن رجال، قد يطول سكوتنا ولكننا نرد في النهاية»، فيرد الديري ساخرا «لا يوجد رجال في هذا المجلس». جملته الأخيرة تلك فجرت أطرافا لم تكن جزءا من الصراع، فنهض النائب عادل العسومي يتبعه النائب حسن الدوسري من مكانهما ليصرخا ردا على هذه الإهانة، التي اعتذر عنها الديري لهما لاحقا.
مفهوم الرجولة الذي استخدمه الديري ليضرب به في موقع موجع، والذي اعتبره النواب إهانة كبرى لهم، هو نفسه المفهوم الذي نناقشه هنا. لا تزال مجتمعاتنا أسيرة لكل مفاهيم الرجولة ورموزها ودلالاتها، قد نقول بأن الرجولة «موقف» و «مبدأ» و «التزام» ، ولكن هل ستكون ردة الفعل نفسها عندما يهان رجل ما ليقال له «أنت لست ذا موقف أو مبدأ» ، مثلما لو قيل له «أنت لست رجلا»، ولماذا يتخذ مفهوم «الرجولة» هذا البعد الحساس والنمطي جدا في مجتمعاتنا؟ وهل تشمل هذه الإهانة المرأة أيضا، وهل ستأخذ الإهانة الحساسية نفسها لو قيل مثلا «أنت لست امرأة»!
أحد الكتاب الكويتيين حلف في مقال نشره أخيرا بأن «يحلق نصف شاربه» لو اتفق الفرقاء اللبنانيون في الدوحة، وقد اتفقوا في النهاية، فهل سينفذ حلفه، ليكون درسا له حتى لا يقسم برمز من «رموز الرجولة» مرة أخرى؟ وهل «الرجولة» في الشارب؟
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2087 - الجمعة 23 مايو 2008م الموافق 17 جمادى الأولى 1429هـ