العدد 2087 - الجمعة 23 مايو 2008م الموافق 17 جمادى الأولى 1429هـ

قراءة في الفكر السياسي لجمعية الوفاق

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

لا أرى أن السياسة يمكن التعبير عنها بمقدار ما نملك من مصطلحات أو نختزن من محفوظات وقواعد ونظريات بقدر ما هي تجسيد لحالة الوعي للفرد العادي، والوعي يكون سابقا للثقافة السياسية وحينها فإن السياسة تصبح حاجة من حاجات هذا الوعي يبحث عنا فيما ينتجه الغير!

لهذا وفي ظل الأجواء السياسية واحتدام حدة المنافسة والمشاحنات، وخصوصا تحت قبة البرلمان يبرز الحوار كحل وحيد وأساسي يرفض الانقلاب على اللوائح والقوانين كما يرفض تقويض رأي الآخرين، حيث من المفترض أن يكون الحوار في المؤسسات منظما بين الأعضاء، وفي التعامل مع الآخرين الذي يؤسس لقبول الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر ويكرس المجتمع الديمقراطي ولكن ليس على حساب التعطيل أو التعطل. حيث لا حوار دون وجهات نظر ولا خلاف يظهر دون تحاور.

إذا كيف نرى إمكان نشر ثقافة الحوار والاختلاف السياسي والفكري وثقافة احترام الآخر ووجهات النظر المختلفة بين الكتل؟

إن الخطاب السياسي السائد في هذه المرحلة القائم في معظمه على التشهير والتسقيط والشحن وإلغاء الآخر المختلف هل يمكنه أن يؤسس لوجود مجتمع متحضر قائم على التسامح الاجتماعي واحترام الآراء المغايرة، أم يكون عاملا في إيجاد مجتمع مستبد مشوه ومتناحر ومعزول، حيث سينتج هذا النوع من الفكر معارضة في وجهة نظر القائمين عليها ولكن ليس بشكل معاصر ومتمدن، بل إنها ستكون معارضة متناحرة ومتعالية ورافضة للغير بمجرد الرفض، فالإيمان بالاختلاف يعني أن الأصل يتطابق فكريا ورأيا مع الآخر، فالتنوع في الفكر وطرق التعبير عنه جائز بل وضروري, فلا قوالب جامدة ونصوص محتكرة، فالإيمان المسبق بحرية الرأي وحق الاختلاف يعتبر المقدمة المنطقية لأي حوار أو تساوق مع أدب الاختلاف. وبغير هذا الإيمان تصبح لغة الاتهام دون أدلة أو بأفكار مؤدلجة تذهب بهم مذهب الدليل وما هو بدليل، هي اللغة المهيمنة التي تصل بالمتصارعين إلى هدم أركان البناء الديمقراطي الذي لا يراه البعض حتى الآن.

هل تعلم هذه الكتلة بأن هموم المواطن البحريني كفيلة بنسيان وعود المرشحين الوردية حتى وعود المحاسبات، وإن كانت مبادئ سياسية فإنها لا تطغى على هموم المواطن المعيشية والحياتية.

ولنكن صريحين أكثر. إن هذا النوع من الاختلاف عزز الهوة الطائفية ذات النزعات الدينية، ناهيك عن بعض الكتاب الذين ينتمون إلى هذه الحزمة أو تلك والذين ساهموا في إشاعة ثقافة الحوار واحترام وجهات النظر المختلفة بين المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية وهل خففت من حدة وجهات النظر المختلفة والمتصارعة ودفعتها للتحاور والاعتراف المتبادل فيما بينها أو للعمل مع بعضها، علما بأن أعضاء تلك الكتلة في وجهة نظري يتجردون من المرجعية الذاتية ليوكلوا بها إلى المرجعية السياسية (الجمعية السياسية) ومن ثم العلماء ومن ثم من يحوي الولاية. وهذه بيروقراطية يسعى الكل للتخلص منها أو الحد من استعمالها، بل الجمعية تحارب للحد منها في الجهاز التنفيذي فكيف نزج بها مع من يسهم في السلطة التشريعية. هنا أردت التحليل لا التنقيص، وأقول بما أن الناخب تكبد عناء التصويت فمن الواجب استثمار أوقات النائب بما فيه خيره وصالحه والابتعاد عن التعطيل، فآثار ذلك التعطيل ليس مقتصرا على الناخب الوفاقي فقط ولكن على المواطن البحريني بصفة عامة، وبما أن محور هذه القراءة في الفكر السياسي فالإيمان بالفكر يجعل من حاملها مشعل إنارة لها، ودرب وصول لتحقيقها فلا تكون مجرد عبث وكلام في الهواء, لذا تعد الثقة والاعتزاز بالرأي من عوامل الاحترام للذات من جهة وللعقل واحترام لمستوى الحوار من جهة أخرى. أما مساحة التغيير الذي يمثل حركة الفكر وعدم جمودها فهي تأتي على قناعة الفرد بها، قابلة للتغيير بأن يستفيد من رأي الآخر بما يثبت رأيه أو يعدله أو يغيره.

إن الاطلاع أساس الحوار حيث يوفر لنا البحث في نقاط الالتقاء وتقاطع المفاهيم الإيجابية وهذا يبعدنا عن الوقوع في شرك الأحكام المسبقة، وعندئذٍ يدفع إلى الاتفاق والوفاق على السلبيات وكيفية معالجتها, وهذا ينطلق إذا كنا متسلحين بأولوية مبادئ احترام إنسانية المواطن الذي تكبد عناء الوقوف في طوابير التصويت في الانتخابات واحترام ما يؤمن به وهذا ينطبق على كل المعتقدات والانتماءات والأيديولوجيات والأفكار السياسية على أن يوضع في خانة الاختلاف وليس في خانة الخلاف، والابتعاد عن المحاسبات على أسس سياسية، والابتعاد عن التسلط والتعالي على الآخر وربما التعالي ليس هو الفكر السياسي للجمعية, ولكن من يتشدقون بها أو من يراهن على وضع قدم على الخريطة السياسية على حساب الآخرين، ولهذا فكل مواطن من المعبرين سياسيا يطمح أن يرادف هذا التعبير السلوك السياسي الذي لا يخرج عن مظلة القانون، الذي هو الضمانة الرئيسية للمواطن.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2087 - الجمعة 23 مايو 2008م الموافق 17 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً