الاختراق التاريخي المتمثل في الاتفاق الذي وقعه الفرقاء اللبنانيون في الدوحة يمثل مرحلة جديدة من إعادة هندسة الشرق الأوسط، وسيثير أملا في فك لغز الخيوط المتشابكة. ربما لم تكن معجزة الدوحة تمثل «الشرق الأوسط الجديد» الذي بشرت به الولايات المتحدة في أعقاب 11 سبتمبر/ أيلول لكنه إيذان بتعاون أميركي - إيراني ومن خلفهما (السعودية وسورية ومصر) لإعادة تقاسم النفوذ.
لا ينكر أحد أن ما حدث في الدوحة أمر جيد لبنانيا، ولكنه يبدو اتفاقا بين القوى الإقليمية والدولية أكثر منه اتفاقا بين اللبنانيين أنفسهم.
اختراقٌ جيد حققته الدبلوماسية العربية من خلال ترويكا «الجامعة» برئاسة رئيس الوزراء القطري والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وعضوية وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وربما يمنح هذا النجاح حماسا ودورا أكبر فاعلية وشرعية للجامعة العربية التي تقلص تأثيرها بشكل لافت خلال السنوات التي أعقبت الحروب الثلاث في المنطقة.
من دون ثمة شك، فإن حل المعضلة اللبنانية، بالتوازي مع مسار المفاوضات السورية - الإسرائيلية عبر الوسيط التركي، وكذلك تقوية نفوذ حكومة نوري المالكي في بغداد وتعزيز سلطانها على الأرض، من شأن ذلك كله أن يبدد الكثير من الغيوم التي تلبد سماء هذه المنطقة منذ فترة ليست بالقصيرة.
اتفاق الدوحة سيسهم بلا ريب في إعادة موازين القوى في اتجاه أكثر توازنا من ذي قبل، فدخول قطر على خط الدبلوماسية كوسيط مقبول - من أطراف النزاع في بيروت - ينظر إليه من ينتقدون المحور السعودي- المصري بأنه أمر باعث على مزيد من الترشيد تجاه القضايا الخلافية المستفحلة في العالم العربي.
صحيح أن أمير قطر حدد الإطار الواقعي للدور القطري، وقال بوضوح: «إن قطر لن تلبس ثوباَ أكبر من حجمها»، ولكن النجاح القطري الاستثنائي في فتح صفحة جديدة بعد حرب لاحت في الأفق في بيروت سيبعث الحماس للدوحة لأن تمضي قدما في التنافس على التأثير، ويخدمها في ذلك ما قد يسميها البعض «البراغماتية» القطرية التي يقودها الشيخ جاسم بن جبر آل ثاني.
مضافا إلى ذلك، أن قطر لن تكون «ساحة للنوايا الحسنة للبنانيين وحدهم، بل طموحها أكبر من ذلك، والدليل هو نجاحها في احتضان القمة العربية المقبلة وهي مكللة باتفاق «الطائف 2»، وهو أمر سيزيد من حدة التنافس أو حتى الخصومة بين قطر ومن كانوا يحتكرون هذه المساحة المهمة حتى قبل حين.
ربما تنبؤنا الساعات المقبلة أيضا عن الفصل الأهم من فصول «دراما الانفراج»، فليس من المستعبد - وفي ظل الرغبة الأميركية الجامحة لتقليل خسائرها في المنطقة - أن تتجه لإبرام صفقة ما مع إيران على برنامجها النووي الذي تتربص به واشنطن منذ تصاعد نجم المحافظين في طهران، وربما سيتم الإيعاز للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتوصل إلى اتفاق منتصف الطريق مع طهران، على أن تساهم الأخيرة في تخفيف حدة العنف في العراق.
زبدة القول: إن بوش ربما يريد أن يكفّر عن ذنبه، ليخرج من البيت الأبيض بشرق أوسط من دون أزيز قاذفات الصواريخ
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ