العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ

منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية

تأملات بشأن العلاقة بين الدول العربية ومنظمة العمل الدولية (2)

عدنان خليل التلاوي comments [at] alwasatnews.com

في الحلقة الأولى تحدث الكاتب عن ظروف نشوء منظمة العمل الدولية مع شرح الطبيعة القانونية لهذه المنظمة والتسلسل التاريخي لانضمام الدول العربية... في الحلقة الثانية يشرح الكاتب العلاقة بين منظمتي العمل الدولية والعربية، بالإضافة إلى نطاق المشاركةالعربية في أجهزة منظمة العمل الدولية.

ولدت منظمة العمل العربية في رحم الاجتماعات السنوية للمجموعة العربية لدى مؤتمر العمل الدولي. ذلك أن منظمة العمل الدولية، من منطلق ادراكها إلى الحاجة الموجبة إلى وجود أمانة فنية دائمة تسهر على اعمال المجموعة وتتولى مهمات تنسيق مواقفها ودعم متابعتها لأشغال منظمة العمل الدولية، أوصت الامانة العامة لجامعة الدول العربية بضرورة انشاء منظمة العمل العربية.

وكان للخبراء العرب الذين يشاركون في وفود بلدهم الى مؤتمر العمل الدولي فضل السبق في تبني مجموعة النظم الاساسية لمنظمة العمل العربية «الميثاق العربي للعمل»، «دستور منظمة العمل العربية»، والنظم الاساسية لمؤتمر العمل العربي والأجهزة الاخرى للمنظمة.

ومن دون ذكر اسماء، نكتفي بالتذكير والاشادة بجهود ومثابرات كل من وفود مصر وسورية ولبنان في اعداد هذه الوثائق التي لاتزال تشكل الاطار القانوني لمنظمة العمل العربية. وتبين الدراسة المقارنة مدى تأثر واضعي النظم العربية بفلسفة واساليب عمل منظمة العمل الدولية. لذلك كان طبيعيا أن تكون غالبية هذه النصوص مستلهمة من نصوص منظمة العمل الدولية، وأن تنقل بعض المصطلحات حرفيا مثل: مؤتمر العمل (الدولي - العربي)، مجلس الادارة (وعرف بداية باسم «لجنة المتابعة»)، المدير العام لمكتب العمل (الدولي - العربي)، هيكلية التكوين الثلاثي، استقلالية المجموعات الثلاث (حكومات، اصحاب عمل، عمال)، فلسفة الحوار والتعاون بين الشركاء الاجتماعيين العرب الخ.

وللمجموعة العربية شرف الاعتزاز بتكوين اول منظمة عمل اقليمية في فضاء العلاقات الدولية، وهو الانجاز الذي عجزت عن تحقيقه مجموعات اقليمية جغرافية في أوروربا وأميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا. وقد تنبهت لجنة العمل الافريقية حديثا إلى أهمية اشراك اصحاب العمل والعمال في اجتماعاتها أخذا بقاعدة التكوين الثلاثي.

فمنذ العام 1970 عندما بدت بشائر قيام منظمة العمل العربية تلوح في الافق بادرت الوفود العربية الى مؤتمر العمل الدولي (في الدورة 54 - 1970) الى اعلام أعضاء مؤتمر العمل الدولي بقرب قيام منظمة العمل العربية بعد انعقاد مؤتمر وزراء العمل العربي الخامس، وايداع تصديقات الدول العربية على المواثيق المنشئة للمنظمة العربية. فقد اكد الاعضاء العرب في كلماتهم في الجلسات العامة للمؤتمر (من بينهم وزير الشئون الاجتماعية والعمل بدولة الكويت، ووزير العمل في سورية، ومندوب جامعة الدول العربية) أن قيام هذه المنظمة الوليدة - الذي اعتبره الوزير الكويتي «حدثا تاريخيا في العالم العربي» - إنما هو ترجمة حقيقية لتمسك الدول العربية بأهداف ومبادئ منظمة العمل الدولية، وحرصها على نشر مبادئها في العالم العربي، متطلعين في الوقت ذاته الى دعم أجهزة منظمة العمل الدولية لهذا المولود الجديد، وذلك ببناء جسور من التعاون بين المنظمتين.

ومؤدى المداخلات العربية ووفق الفهم العربي الرسمي أن هذا المولود لا يشكل منافسا لمنظمة العمل الدولية، ولا يعتبر بديلا عنها في العالم العربي، بل إن منظمة العمل العربية مكملة لمنظمة العمل الدولية ومعززة لنشاطها في المنطقة العربية. ومع ذلك، وعلى رغم كل هذه التطمينات لم يلقَ قيام منظمة العمل العربية الترحيب المنشود من قبل مكتب العمل الدولي الذي خشي، ضمنا، أن تنتشر «عدوى» هذه الظاهرة الاقليمية على الصعيد العالمي، ما يفقد منظمة العمل الدولية صبغتها الشمولية العالمية، وأن تخلق معايير العمل العربية (الجانب التشريعي لنشاط منظمة العمل العربية) ازدواجية أو تضاربا مع معايير العمل الدولية من اتفاقيات وتوصيات عمل دولية.

لذلك شاب العلاقة بين المنظمتين فتور شديد في بدايات مراحل التعامل بينهما. وقد تأخر ابرام الاتفاق الرسمي للتعاون بينهما الى العام 1976، اي بعد مرور اربع سنوات على القيام الفعلي لمنظمة العمل العربية في سبتمبر/ كانون الأول 1972. وقد اقتضى الحال عرض الامر على مجلس ادارة مكتب العمل الدولي للحصول على موافقته في ابرام اتفاق التعاون بينهما. وقد قطعت العلاقات بين المنظمتين، منذئذ، شوطا طويلا من التعاون والتنسيق بما في ذلك دعم مكتب العمل الدولي لمبدأ إنشاء مكتب دائم للمنظمة في جنيف كي يكون بمثابة حلقة وصل بين المنظمتين. وتم تنفيذ اتفاق التعاون بدعوة اللجنة المشتركة للمنظمتين إلى اجتماعات موسعة في العام 1978 حيث تم تبنى مجموعة مهمة من الانشطة المشتركة.

ولكن زخم التعاون تباطأ نسبيا بعد انتقال منظمة العمل العمل العربية الى بغداد، بصفة مؤقتة، بعد اتفاقيات السلام بين مصر و «إسرائيل». وتمت مواصلة اوجه التعاون في بدايات الثمانينيات. وجرى تنفيذ الكثير من الانشطة والبرامج المشتركة بما في ذلك تنفيذ برنامج طموح «المركز الاقليمي لادارة العمل - في تونس» باكورة التعاون الدولي بين اكثر من جهة دولية ووطنية.

وحديثا تعززت نوايا تمتين اواصر التعاون والعمل المشترك من خلال ابرام مذكرة تفاهم يرجى أن تكلل بجهود تعميق وتوسيع نطاق التعاون بين المنظمتين لصالح الشركاء الاجتماعيين العرب الذين يشتركون في عضوية المنظمتين معا واللتين تعملان في اقليم جغرافي واحد، سعيا إلى بلوغ الاهداف ذاتها وتحقيق المقاصد نفسها في تعزيز جهود التنمية العربية الشاملة ومحاولة تقديم الحلول الشاملة والمستدامة للتحديات على الصعيدين العربي والدولي من دون ازدواحية أو تنافس لا مبرر له.

كيف تعمل منظمة العمل الدولية ونطاق المشاركة العربية في أجهزتها؟

الاجهزة المسيرة لأعمال منظمة العمل الدولية، هي:

- مؤتمر العمل الدولي، ويعد بمثابة الجمعية العامة للمنظمة، ويتكون من وفود ثلاثية التشكيل لكل الدول الاعضاء (حكومات، اصحاب العمل، العمال) وعلى قدم المساواة في واجبات وحقوق العضوية من المشاركة المستقلة في اعمال اللجان، وحق التصويت فرديا، وابداء الرأي وغير ذلك من مهمات العضوية. ويعقد المؤتمر دورة كل سنة (ويعقد كل عشر سنوات دورة مخصصة للقانون الدولي للعمل في القطاع البحري آخرها الدورة البحرية للمؤتمر العام 2004).

والمؤتمر هو السلطة العليا في المنظمة، أي أعلى هيئة لصنع القرارات في المنظمة. ولعل اهم رسالة للمؤتمر هي رعاية النشاط المعياري أي اعتماد الاتفاقيات والتوصيات الدولية للعمل (معايير العمل الدولية) التي تعد المرجعية والمرشد لسائرالتشريعات الاجتماعية/ العمالية في العالم.

وتحرص الدول العربية على المشاركة المنتظمة في اشغال المؤتمر بوفودها الثلاثية التي يتفاوت عددها وفق امكانات وتوجهات الجهات المشاركة. ويتزامن مع سير اعمال المؤتمرعقد اجتماعات منتظمة للمجموعات الثلاث (الحكومات واصحاب العمل والعمال) في المؤتمر لتنسيق وتوحيد مواقفها. وفيما يتعلق برئاسة المؤتمر فإن العرف المتبع هو الدورية في تناوب هذه الرئاسة فيما بين حكومات الاقاليم الجغرافية المختلفة (وهي أربع مجموعات: آسيا والمحيط الهادي، إفريقيا، أوروبا ووسط آسيا، والأميركتان والكاريبي)، مع استثناء محدود عندما تناط رئاسة المؤتمر بشخصية تاريخية من مجموعتي اصحاب العمل والعمال. ورسميا، بحسب نظم عمل مكتب العمل الدولي، لا وجود للمجموعة العربية ضمن بقية المجموعات الجغرافية. وتتوزع المجموعة العربية ذات التكوين الثلاثي مع بدء اعمال المؤتمر حيث تنتظم كل من الوفود الحكومية ووفود أصحاب العمل ووفود العمال في اجتماعات نظرائها في المؤتمر.

واذا كان الامر يتسم باليسر بالنسبة إلى مجموعتي اصحاب العمل والعمال فإن المجموعة الحكومية العربية تتوزع فيما بين المجموعة الحكومية الافريقية والمجموعة الآسيوية والمحيط الهادي. فمنذ العام 1973 لم تتفق المجموعة العربية على رأي موحد بشأن الحل الأمثل ما بين أحد الخيارين: (أما الابقاء على المشاركة في المجموعتين الإفريقية والآسيوية، أو السعي من اجل تكوين مجموعة عربية مستقلة ضمن المجموعات الاقليمية الاخرى).

وفيما يتعلق بالمشاركة العربية الحكومية في تولي منصب رئاسة المؤتمر فكانت المشاركة ناجحة عبر اكثر من تسعين دورة لمؤتمر العمل الدولي. وكانت اول مبادرة عربية موفقة عندما ترأست حكومة الجمهورية التونسية (وزير الشئون الاجتماعية محمد الناصر) رئاسة الدورة 71 العام 1985 ثم حكومة جمهورية مصر العربية (وزير القوى العاملة عاصم عبدالحق) الدورة (80 العام 1993). وتم دعم هذين الترشيحين من قبل المجموعة الحكومية الإفريقية. وتولت حكومة الاردن (وزير العمل خالد الحاج حسن) رئاسة الدورة 73 العام 1987، وباسم خليل السالم (الدورة 93 العام 2005).

وتولت حكومة دولة الامارات العربية المتحدة (على رغم عدم وجود تنظيم نقابي وتحفظ مجموعة العمال في المؤتمر) الدورة 83 العام 1996. وفي الحالات الاخيرة تم شغل هذه المنصب بترشيح من المجموعة الحكومية الآسيوية.

وتتميز جلسات المؤتمر ببعدها العالمي، وخصوصا بعد انتهاج اسلوب توجيه دعوات لكبار الشخصيات العالمية كضيوف شرف للمؤتمر إلى إلقاء الكلمات المناسبة في جلسات خاصة، ولقاء هيئة رئاسة المؤتمر. فبالنسبة إلى العالم العربي، كان من بين ضيوف المؤتمر الشخصيات العربية الآتية: الامير الحسن بن طلال (الدورة العام 1977، الرئيس محمد حسني مبارك العام 1983، الملك حسين بن طلال (الدورة84، العام 1997)، بطرس بطرس غالي بصفته الامين العام للامم المتحدة العام 1994، الرئيس زين العابدين بن علي (الدورة 82 العام 1995)، الملك عبدالله الثاني (الدورة 91 العام 2003)، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (الدورة 93 العام 2005)، الامير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، مملكة البحرين (الدورة 69 - العام 2007).

أما عن المشاركة العربية في هيئة رئاسة المؤتمر التي تضم رئيس المؤتمر ونوابه الثلاثة عن المجموعات الثلاث، فإن حكومات عربية نجحت في تولي منصب نائب رئيس المؤتمر عن المجموعة الحكومية (سورية في الاعوام 1992، 1996، 1997)، والاردن (في الاعوام 1994، 1998، العام 2003، الجماهيرية العام 2004، مصر العام 2006).

وفي حين كان التواتر اكبر في شغل منصب «رئيس فريق الحكومات» للمؤتمر، وقد تم ذلك من قبل الجمهورية التونسية (العام 1978) والمملكة العربية السعودية (في الاعوام 1986، 1986، 1988، 1990، 1991، 2000)، ودولة الامارات (1982)، وسورية (العام 1982، 1991، 1992، 1993، 1996) والاردن (1994، 1998) وقطر العام 1995، مصر العام 1997.

وبدورهم يسعى اعضاء مجموعة اصحاب العمل العرب ومجموعة العمال لتولي منصب نائب رئيس المؤتمر عن مجموعة اصحاب العمل والعمال في المؤتمر (الأعوام 1976، 1982 1976، اصحاب العمل في مصر في العام 1989، واصحاب العمل في موريتانيا العام 1994).

أما بالنسبة إلى رئاسة اللجان الفنية للمؤتمر التي تعد عصب وجوهرعمل المؤتمر، فإن سجلات المؤتمر تبين الاهتمام العربي المتصاعد بشغل منصب رئاسة اللجان التي تتطلب بطبيعتها - كما هو معروف - من القدرة والتخصص والمعرفة الكاملة للمسائل المطروحة في هذه اللجان، وخصوصا أسلوب عمل اللجان.

وواضح أن المجموعة العربية تحرص على اكتسابها هذه الميزة التي تحتكرها الوفود الغربية/ على رغم صعوبة ذلك نظرا إلى كثرة التبديل في تشكيل الوفود، ما يحرمها من ميزة المتابعة المستمرة، مع حالات تعد نسبية مقارنة بعدد دورات مؤتمر العمل الدولي عندما تولت كل من الجزائر وتونس ومصر رئاسة اعمال اللجان الفنية للمؤتمر في الدورات الآتية:

حكومة مصر، ترأست: اللجنة المالية والموازنة العام 1959؛ لجنة مساهمة منظمة العمل الدولية في زيادة الدخول وتحسين ظروف المعيشة في المجتمعات الريفية، وخصوصا في البلدان النامية العام 1960؛ لجنة المساواة في المعاملة بين الوطنيين وغير الوطنيين في مسائل الضمان الاجتماعي العام 1961؛ لجنة النظم العام 1962؛ اللجنة المالية والموازنة العام 1970؛ لجنة العمال المهاجرين العام 1974.

- لجنة الآليات الثلاثية العام 1976؛ لجنة التعاون التقني العام 1987، لجنة المعايير العام 1988. حكومة المغرب (في شخص وزير الشغل) التي ترأست لجنة المعايير في العام 1958. حكومة السودان ترأست لجنة الاجازة الدراسية المدفوعة عام 1973. حكومة الاردن ترأست لجنة الوقاية من السرطان المهني العام 1974، ولجنة القرارات العام 1983. حكومة ليبيا ترأست لجنة العمال المهاجرين العام 1975. حكومة العراق ترأست لجنة المعايير العام 1976. حكومة المملكة العربية السعودية ترأست لجنة العمال المسنين العام 1980. الحكومة التونسية ترأست لجنة المعايير العام 1963، لجنة القرارات العام 1977، لجنة متابعة نتائج المؤتمر العالمي للتشغيل العام 1979، لجنة العمالة في العامين 1983 و1984، لجنة الفندقة والمطاعم في العامين 1990 و1991. الحكومة الجزائرية ترأست لجنة الضمان الاجتماعي للعمال المهاجرين في العامين 1981 و1982، لجنة الفصل العنصري العام 1986، ولجنة عمالة الشباب في العام 2005. الحكومة اللبنانية ترأست اللجنة التنظيمية العام 2005. الحكومة السورية ترأست لجنة القرارات العام 1989.

كما لا يفوتنا التنويه بكفاءة وزير الشئون الاجتماعية في الجمهورية التونسية في ترؤسه المؤتمرالعالمي للاستخدام العام 1976 التي تعرضت بداية اشغاله معوقات اجرائية مهمة وضعتها جهات محددة لعرقلة قبول مشاركة فلسطين (منظمة التحرير الفلسطينية) في اشغال هذا المؤتمر العالمي بصفة مراقب. وعموما كانت نتائج المؤتمر غنية بتوصياتها واستنتاجاتها بشأن الاحتياجات الاساسية في عالم العمل

العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً