«إسرائيل»، بكل عنصريتها، وانحطاطها، وقذارتها، وحقارتها، وتفاهتها، وعنجهيتها وسكْرتها، وغرورها، ووهمها، وصلفها، وأخيرا وليس آخرا: هشاشتها، لم تُصِم «حزب الله» وأمينه، بالإخفاق والفشل في حرب تموز. تكفي العودة إلى تقرير «فينوغراد» الإسرائيلي، على رغم اللغة المخففة التي انتابت بعض فقراته، بالهزيمة التي ضربت ما تبقى من «كبرياء» «إسرائيل» في مقتل. لكن في هذه الأمة المبتلاة بمسوقي البغاء، وشهوة كشف جبهات المرابطين مما تبقى فيها، من هم على استعداد لا يبعث على الشك إطلاقا - لأن ذلك ديدنهم - لمحاججة حتى خالق الخلق، من دون أدنى خجل أو ذرة من وازع، أو شيء مما يدل على آدميتهم. أحدهم ويمثل عيِّنة رديئة ومستهلكة من تلك العينات، لم يألُ جهدا في سبيل أن يستمر «معاشه» على حساب «معاذه». معاش لو قدِّر له أن يعمِّر 100 سنة من الآن، وهو في المتهالك من صحته، سيترك وراءه إرثا من اللعنات، والبصق عليه حتى وهو غائب، إلى أن يجف ريق الذين مازال لديهم حس من التفريق بين السماء والحُفَر حتى وهم في غيبوباتهم اللاإرادية. أقول: لم يألُ جهدا في سبيل النيل من إنجازات حزب الله، طعنا وتشويها واستهانة بدوره الحيوي، الذي اعترف العدو بأدق تفاصيله.
ما حدث في لبنان أخيرا، جاء نتاج قراءة لأجندة لم تعد معقدة، تستهدف المرابطين، والمقاومين لتلك الأجندة التي تهدف فيما تهدف إليه، إلى بتر هذا العضو الذي لم تألفه الأمة منذ عشرات السنوات، بعد استحباب النوم في العسل، وتراكم السلاح المعطوب، وشراء الذمم بالدولار وحتى الروبية الهندية، والاستخفاف بمن حافظوا على كراماتهم وشرفهم وأملهم في التغيير وهم في خنادق المواجهة، لا خنادق اللذة والبغاء.
مثل تلك القراءة لتلك الأجندة لا يمكن أن يؤجل حفظها واستيعاب مراميها، وإلا أصبحت الثغور، كل الثغور مستباحة أمام عنصرية وانحطاط وقذارة وحقارة وتفاهة وعنجهية وسكرة وغرور ووهم وصلف، وأخيرا وليس آخرا: هشاشة القوة المتفردة بمصير العالم وهما: الولايات المتحدة الأميركية. هذا المسخ وأشباهه على استعداد ليس لتزوير الحقائق والثوابت على الأرض، بل على استعداد لتحريف جهة الوعي، وتحطيم بوصلته.
***
حوار الدوحة لن يكون الحل السحري للتركيبة المعقدة في لبنان، أو بعبارة أكثر دقة: المراد لها أن تكون معقدة. كما أن اتفاق الطائف فشل في أن يكون حلا سحريا، وخصوصا في ظل تفريخ طوابير خامسة، ومتحدثين باللسان والنوايا باسم قوى كبرى، وأجندات خارجية لديها من وسائل الترهيب والترغيب ما لاطاقة لتلك الطوابير بها.
لبنان قادر على الاستمرار في سمفونية تعايشه السلمي والوطني، لكنه لن يستطيع ذلك مادام اللصوص والقتلة وتجار الكوارث هم في الصفوف الأمامية من تمثيله والتحدث باسمه. لبنان قادر على تجاوز كل المحن والأزمات التي مرت عليه، ولكنه لن يستطيع الصمود أمام عارض «زكام» مقبل في ظل إصرار الولايات المتحدة و»إسرائيل» وبعض الأنظمة العربية، على أن ممثلي لبنان الشرعيين هم كتيبة من اللصوص والقتلة وتجار الكوارث.
حوار الدوحة لن يفضي إلى نتيجة، وإن حدث ذلك سيكون بمثابة مخدر وظيفته التخفيف من الألم، ولكن بمجرد انتهاء مفعول المخدر سيعاود الألم حضوره وهيمنته على تفاصيل الجسد كل الجسد.
لا نريد أن نكون متشائمين، ولكن واقع الحال يبصم بالعشر، أن مصيبة ومأساة وخراب لبنان يكمن في اللصوص والقتلة وتجار الكوارث الذين أصبحوا يعطون دروسا في السياسة وفنونها، على رغم فشلهم الذريع بإصرارهم على التحدث بلغة الضاد، في ضبط إيقاع أبسط القواعد في اللغة، في مشاهد متلفزة بـ «جر» «المرفوع» مما تبقى من الكرامة، و»رفع» «المكسور» من شواهده ورموزه، و»النصب» على العرب والكون، من مقديشو، إلى موقع مفترض سيتم الهبوط عليه في كوكب المريخ!.
***
ثمة مخربون بالنص. يتكئون عليه لتمرير مشاريع بعضها تم تبنيه من قبل بعض أجنحة السلطة، والبعض الآخر من قبل جماعات محسوبة عليها وإن بدت خارج دائرة القرار، ولكنها تظل مؤثرة وفاعلة ومحركة للكثير من توجهاتها وتحركاتها.
كل كتابة لا تتوخى تراكم الإصلاح، وتعزيز الوحدة الوطنية، ورفد ومؤازرة الإبداع، ومناهضة الإسفاف، ومقاومة الخروج على الذوق العام، والوقوف في وجه الخلاعات التي باتت تنمو كالفطْر، هي في الصميم من التخريب، وأصحابها مخربون من الدرجة الأولى، بل ويكاد يكون أثر ممارستهم ماحقا أكثر من سواه.
الذين يمارسون التخريب من خلال الكتابة المحرّضة، والداعية الى الإلغاء، وتغذية الإصرار على المواجهات لسبب ومن دون سبب، وتنمية روح الاقتلاع، وإذكاء نيران الفتن، يهددون كل محاولة للإصلاح، ويمهدون الطريق لغلبة الإسفاف، والخروج على الذوق العام، ويكرسون لخلاعات تصبح مع مرور الوقت جزءا من السلوك العام وضلعا من أضلاعه. وأكثر صحفنا لا تسوّق مشاريعها طويلة الأمد، إلا بتبني مثل تلك العيّنة من المخربين اليوميين والأسبوعيين، وأحيانا الشهريين. إذ لا يشكل عدد مرات الحضور فرقا، مادام الهدف من تلك الكتابات هو ضرب البنية المجتمعية والأخلاقية في مقتل.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2083 - الإثنين 19 مايو 2008م الموافق 13 جمادى الأولى 1429هـ