العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ

أمور خارج المألوف... التخطيط بأرقام مغلوطة

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلنا يدرك ألا تخطيط سليما من دون قاعدة معلومات صحيحة، فالتخطيط قوامه الأرقام الصحيحة وعلم الأحصاء والنماذج الرياضية.

فمشروعات الحاضر التي تهدف أيضا لخدمة المستقبل تستند إلى حقائق مستمدة من تجارب الماضي وأرقام الحاضر ومؤشرات واسقاطات المستقبل. فالأسلوب الكميQuantitative method أصبح العمود الفقري للتخطيط وعملية صنع القرار المتعلقة باستثمار وتخصيص الموارد. واذا كانت مشروعات المستقبل الاستراتيجية تعتمد على ذلك فإن سوء إدارة المعلومات تعتبر كارثة وطنية كونها تربك خطط صانع القرار وتنتج عنها قرارات غير سليمة.

يقول البروفسور PAUL VATTER من جامعة هارفرد في كتابه «الأساليب الكمية في الإدارة» إن التحليل باستخدام الأسلوب الكمي مرتبط بمجمل العمليات الإدارية كعملية صنع القرار المتعلق بتخصيص الموارد واعداد الخطط والمشروعات وموازناتها. ويكون الأمر اكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالتخطيط على المستوى الوطني، إذ يعتبر النمو السكاني والمنافسة الخارجية، والمحيط السياسي من العوامل المؤثرة في رسم الاستراتيجية الوطنية ووضع الخطط. فعلى النطاق المحلي يعتمد التخطيط الصحي على الإحصاءات السكانية لتحديد عدد الأطباء والأسرة بالنسبة إلى السكان. وكذلك الحال بالنسبة إلى مشروعات البنية التحتية كالإسكان وحجم وشكل التوسع العمراني وعدد الأميال للطرقات. فجميع مشروعات التنمية تعتمد في نجاحها على صحة المعلومات وكفاءة ادارتها. وتأتي هذه الأهمية لإدارة المعلومات في مملكة البحرين بعد توجه مجلس التنمية الاقتصادية لإشراك الوزارات وجعل التخطيط جزءا من مسئولياتها فدعاها إلى تقديم خططها ومشروعاتها إلى المجلس لمراجعتها والتأكد من تناسقها مع الاستراتيجية أو التوجهات العامة.

لقد أصيب المواطن والمسئول البحريني على حد سواء بصدمة بعد أن كشف الجهاز المركزي للمعلومات أن حجم سكان البحرين قفز من سبع مئة وخمسين ألفا إلى ما يزيد على المليون خلال فترة وجيزة. فكيف تعاملت الأجهزة الرسمية مع هذا «التسونامي» المفاجئ وطريقة التكاثر الرهيبة التي فرخ فيها أهل البحرين فجأة هذا العدد الكبير من البشر؟

لقد تحولت شوارعنا إلى صندوق بافلوف، ما استدعى وزارة الأشغال لاستنفار جميع امكاناتها في سباق مع الزمن، وكذلك فعلت بقية الوزارات كالصحة لمواجهة النقص في عدد الأسرة والدواء وفي طاقمها الطبي. أما الاسكان والعمل فلكل قصصه المعروفة.

هي اذا إدارة أزمات Crisis Management نجمت عن تستر على حجم النمو السكاني. والسؤال المحير هنا يكمن في السر من اعتماد الجهاز المركزي أسلوب التكتم. فهل هو خوف من عين الحسود على مستوى فحولة الإنجاب لدى المواطن البحريني، أم إنها الخشية من ابتعاث غريزة الغيرة من انضمام أقوام جدد لإثراء علم الأنساب لديه.

ومهما كانت الأسباب فإن ذلك لا يبرر احداث صدمة للمسئولين في الوزارات ومن ثم تحميلهم مسئولية التقصير وعدم الكفاءة في التخطيط. لقد سيقت مبررات لعملية حجب المعلومات منها أن البعض لا يدرك الفرق بين المعلومات الإحصائية وبيانات السجل السكاني، فالأولى عامة بينما الثانية خاصة. وهذا صحيح. ولمن درس مبادئ التخطيط أو مارسه فالفرق بين الاثنين هو كالفرق بين البيضة والدجاجة. فالبيانات والمعلومات الإحصائية يتم تفريغها وتبويبها بعد جمعها بحسب حاجة الجهات المعنية بإدارة المعلومات، وكذلك بحسب حاجة الجهات الرسمية المستخدمة لها.

فملف السجل السكاني مثلا مستمد في الأصل من قاعدة البيانات الإحصائية، فإذا كان الوصول لقاعدة المعلومات من قبل الجهات الرسمية من المحرمات كونها معلومات مصنفة Classified Information فما الغرض من إنشائها إذا؟

هناك أمور أخرى كثيرة خارج المألوف منها اعتبار البرلمان أن السؤال عن أسباب ما حدث وما يحدث مخالف للدستور. والأكثر غرابة هي زفة العريس والشعور بالنشوة والانتصار الذي عبرت عنه الكتل النيابية المستقلة منها والمنحازة بشأن طريقة الصدمة في إدارة المعلومات، وكأن اختناقات الطرق واكتظاظ المستشفيات بأقوام مختلفة من البشر أمر لا يعنيهم في شيء، كما لا يعنيهم في شيء أن نخطط وندير أمورنا بطرق سليمة تعتمد على معلومات صحيحة.

إنه أمر خارج المألوف أن توافق كتلة الوفاق البرلمانية على أن تتم المساءلة بشأن سوء ادارة المعلومات في لجنة الخدمات، حيث غالبية الأعضاء فيها متعاطفون للغاية مع الطريقة التي تتم بها ادارة المعلومات المركزية.

هذا القبول الذي حسم الأمر مسبقا يلقي بظلال من الشك على جدية البحث عن الحقيقة، وكأنما الغاية هي رفع العتب، فالعذر للفشل مقبول بعد المحاولة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

أما السؤال عن أسباب الفشل فليس مهما بعد ذلك... مفارقة غريبة وأمر خارج المألوف ان نتخبط وتنحدر الإدارة بعد التميز في زمن الإصلاح.

هل السبب يكمن في ترجيح كفة السياسة على الاقتصاد ولبس رداء الفئوية والمذهبية على حساب الانتماء الوطني؟ هذا الانتماء الفئوي هو الذي جعل من الفساد والاستهتار في العبث بمستقبل الوطن أمرا مقبولا مادام الفعل صادرا في إطار من الاصطفاف الفئوي. فالضرورة تبرر المحظور، ومادام التفكير الطاغي هكذا فلا غرابة من فعل خارج المألوف.

حماك الله يا وطن من شرور طبقة المسئولين الجدد (طمج) ومن برلمان مشغول باستدعاء الجن للمثول شهودا أمام القضاء، وبانشغال بعض منتسبيه بمحاربة عقيدة الآخر لاعتقاده بفسادها، في حين يصبح فساد الإدارة والمال في عرف البعض أمرا مقبولا ولا يستحق حتى مجرد السؤال. إنها حقا أمور خارج المألوف.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً