تظل المرأة الحلقة الأضعف دائما، «تعددت الأسباب والموت واحد»، فظلم المرأة محور يشترك فيه الجميع بلا استثناء وبنسب مختلفة، تختلف باختلاف أحكام السيطرة، هذا على الأقل ما أفهمه وما انصدمت به شخصيا عندما تابعت ما نشرته الصحافة أخيرا بشأن موقف مجلس الشورى من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 1982 بتعديل أحكام القانون رقم 13 لسنة 1975 بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، والتقاعد المبكر للمرأة والذي جاء بناء على مقترح بقانون تقدم به مجلس النواب.
نسمع أن المرأة ضد المرأة، ونتعجب، ونسمع أن المرأة أنانية، ونندهش، كما نسمع أن المرأة لا تهتم بقضايا المرأة، ونحتج، ونطالب بمقاعد للمرأة في مواقع صنع القرارات، لتستطيع أن توصل صوتها وأن تنظر في قضايا القطاع النسائي، وأن تدافع عن المرأة، وأشياء أخرى ربما ضرب من الجنون أو الخيال.
هذه المرة انقلب السحر على الساحر، إذ الحيثيات هذه المرة مختلفة لموازنات كثيرة، إذ إن المقترح مقدم من مجلس النواب الذي يوجد فيه فقط صوت نسائي واحد، والمشروع قادم من كتلة الوفاق التي تخلو من وجود وجه نسائي واحد على الأقل في الكتلة ذاتها.
والرفض يأتي هذه المرة من مجلس الشورى الذي يتوافر فيه ما شاء الله من الأصوات والوجوه النسائية، نجدهن هذه المرة يضيعون بوصلتهن فبدلا من الاصطفاف والوقوف وقفة واحدة لنصرة المرأة في أهم المطالب التي تنادي بها، نجدهن يقفن إلى جانب العزيزة الحكومة التي تفضلت عليهن بالمقعد. لا، والأغرب أن تكون الأسباب التي يستندون إليها أسبابا واهية، لا طعم لها ولا لون بحسب ما تابعت في الصحافة هذه المرة المبررات والأسباب التي يستنون عليها ومن أصوات نسائية ومن لجنة شئون المرأة والطفل، فماذا قالت اللجنة في
توصياتها؟: «إن اللجنة ترفض المشروع بقانون، وذلك لمخالفته الدستور فهو يخالف نص المادة 18 من الدستور التي تحرم التمييز، كما أنه يتعارض مع مبدأ تمكين المرأة».
المبرر الآخر التي ساقته اللجنة أن «معظم دول العالم تتجه للحد من التقاعد المبكر، على حين أن الحكومة تقول إنه تم رفعه إلى 45 عاما في بعض الدول، ومن ثم سيرفع إلى 50 عاما».
أسقط مشروع قانون التقاعد المبكر للمرأة، لأسباب تعجيزية، وتحطمت طموحات وأحلام المرأة، وأصبح استقرارها الاجتماعي والاقتصادي على كف عفريت، أصبحت النصوص الدستورية اليوم قرآنا منزلا من السماء لا يمكن تغييرها، كما أصبح موضوع تعديلها بعبعا يطاردنا ونخشى منه، وما حجة التمييز التي تطل علينا بين الفينة والأخرى إلا دليلا قاطعا على ضيق الأفق، فالتمييز الايجابي للمرأة أمر مطلوب، وخصوصا إذا كان التمييز يمس جانبا مهما من حياة المرأة، وأعتقد بأننا نتفق على الأقل في الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ونختلف في البعد السياسي لعدم أهميته، فعندما تجاهلت الحكومة مشروع الكوتا النسائية، على رغم أهميته نظرا إلى الظروف المجتمعية التي تحول دون تبوأ المرأة المواقع السياسية، استغربنا ولكن رجعنا لوضع الأمور في نصابها الصحيح نظرا إلى كون العمل السياسي غير ذي أهمية مقارنة بالجوانب الأخرى، لذلك لا يمكن قياس التمييز الايجابي والآثار الإيجابية المترتبة على تقاعد المرأة المبكر.
أما موضوع تمكين المرأة فهو مشروع مفتوح لن يعوقه التقاعد المبكر للمرأة، وخصوصا أن التقاعد المبكر يظل خيارا أمام المرأة وليس أمرا إجباريا يعتمد على ظروفها وطبيعة عملها، أما أن نظل نضع الهواجس والعراقيل أمامنا فننظر إلى المرأة وهي راجعة إلى بيتها فهي أسباب واهية، وخصوصا أن الكثير من النساء لا يستطعن الالتفات للكثير من الأمور إلا بعد سن التقاعد والعودة إلى البيت، لأنه يكون هناك متسع من الوقت أمامهن، كما أن أولوياتهن تتغير وتتبدل بتبدل ظروفهن.
أظن أن الرجال الذين وقفوا ضد تقاعد المرأة المبكر، وحسدوها على شيء لم يتحقق أصلا لكونهم وقفوا ضده، يبدو أنهم لا أمهات لهم، وغير متزوجين بعاملات، بل لا أخوات لديهم، وكأنهم مقطوعون من شجرة، أو أنهم تناسوا أن للمرأة ظروفا تختلف اختلافا جوهريا عن الظروف والأحوال التي تمر على الرجل؛ فالمرأة تتعرض للحمل والولادة، وتتأثر صحتها كثيرا، كما أن الأعباء الاجتماعية ترمي بثقلها عليها فضلا عن مشاركتها في الجانب الاقتصادي مع تدني الوضع المعيشي. أحيانا أقف قليلا لأقول: معذورون الرجال لكونهم غير مجربين وألوم الشوريات الواقفات أمام المشروع كل اللوم.
الواقفات ضد المشروع وقفوا مع الحكومة وضد رغبة النواب، لم تشأ الحكومة أن تقف مع المشروع وتعطي بالتالي زخما للمجلس الذي أنجز ملفا مهما يكلف الحكومة الشيء الفلاني، وزخما أكبر للكتلة المقدمة له، المؤسف أن تستخدم المرأة أداة معطلة لأهم قضايا المرأة، لنقف مرة أخرى مترددين من مواقفنا تجاه المرأة التي تقف أحيانا ضد نفسها من دون أن تدري.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2080 - الجمعة 16 مايو 2008م الموافق 10 جمادى الأولى 1429هـ