تشهد جلسة النواب القادمة غض الطرف عن نتيجة استجواب وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة باعتباره بريئا ممّا نسب إليه، وينتقل المجلس إلى جدول الأعمال، بناء على ما توصلت إليه لجنة الخدمات. وقد حمد الوزير الله إذ كانت النتيجة بالنسبة إلى الجميع واضحة منذ البداية كما قال؛ لأنه يقدر للمجلس تعطيله الاستجواب أكثر من ست جلسات إكراما له، وفي اختيار المجلس إحالة الاستجواب إلى لجنة الخدمات باعتبارها اللجنة المختصة وإن كانت ليست الأحق بدراسته.
إنه يثق تماما بغالبيتها، وشدة تماسكهم، فهم كالجسد المرصوص الذي لا يتداعى بالسهر والحمى، ولا تغيره البراهين والحجج، مهما كانت قوتها وحجتها.
وكانت وقفتهم تجسيدا لظاهر الحديث الشريف: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، لا بالأخذ على يده إن كان ظالما، إنما بالوقوف صفا واحدا قبل الحكم عليهم. وهذا ما تجلى في الوقفة البطولية بعد الاستماع للمرافعات في جلسة الاستجواب وقبلها، من دون الحاجة إلى النظر إلى المستندات والوثائق، مهما بلغ عددها.
فلا أدلةَ ثابتة على الاتهام وسط العرف الديمقراطي الذي دفع مهره سابقا. وتعالت الزغاريد قبل الدخول بالقبلات وتقبيل «الخشوم»، والزفة والحمل على الأعناق حين الوداع. فماذا بعد ذلك غير تأكيد انتهاء هذا الموضوع بالنسبة إلى الوزير المستجوَب، واللجنة بحكم قرار المجلس التعطيل والإحالة والغالبية والنصرة والاصطفاف لننعم بالجو الديمقراطي للمشروع الإصلاحي، فلا اتهام محددا لمخالفة الوزير نصا قانونيا أو لائحة معينة، ولم يثبت عليه عدم تزويده الجهات بمعلومات أو حرّفها، فكيف أثبتت اللجنة المنفي من من دون أن تقدم دليلا على أنه قدم المعلومات فعلا، ولم يحرّفها. إنه المنطق الجديد في الحكم والقضاء، ومادام الحسم بالتصويت، فلسنا بحاجة إلى تعليل النتيجة بعدم وجود الأدلة الثابتة والكافية على الإدانة، وخصوصا أن الوزير المتهم برّأ نفسه عبر أقواله، وهي إحدى الحجج القوية التي أخذت بها اللجنة، كما أن الجميع راضون بالحكم الصائب وهي قمة الديمقراطية، وإن تناقضت المعلومات فإن ذلك يرجع لوجود قانونين أحدهما للإحصاء والآخر للسجل السكاني، ولأية وزارة مغفلة أن تأخذ أيّا منهما، ولا داعٍ للجوء إلى جهة محايدة أو لجان تحقيق في تداعيات هذا التناقض وآثاره، ولا داعيَ للكشف عن اختصاصات الوزير أو مهام جهاز المعلومات وآليات عمله، وليس هناك داعٍ لإجراء أية دراسة بحثية بشأن إذا ما كانت زيادة عدد السكان أمرا طبيعيا وتركت آثارا سلبية على البحرين، وليس هناك من أهمية لدراسة كل المستندات والوثائق مادامت لم تقدم في الاستجواب، وخصوصا أن الوزير المستجوَب رفضها منذ البداية، وتكفي جلسة واحدة وسط جو مشحون أن تحلل كل المستندات وتتغاضى عن المستندات الأخرى الموجودة لدى وزارات الدولة، ولاسيما أن أكثر المستندات حكومية ويتعذر الحصول عليها من قِبل المستجوِبين.
أما بعض المحكِّمين من أعضاء اللجنة والمعارضين للاستجواب فيمكنهم الحصول على نقيضها ببساطة من فم الوزير؛ مما سيدحض حجج المستجوِبين الذين لم يقدموا جديدا سوى تأكيدهم تناقض المعلمات وإخفاءها وتأثيرها على التنمية. فهل في ذلك ما يدين الوزير؟ ولكننا نسأل بعد تبرئة الوزير: هل نحن في حاجة إلى إخفاء آثار المعلومات وتضليل الرأي العام، بتأثير زيادة عدد السكان المفاجئ وإخفاء المعلومات وعدم تزويد المعنيين بها، وتعثر خطط التنمية ووصول الخدمات وإلغاء عقود النظافة والاتصالات وغيرها؟
لا أعتقد أننا في حاجة إلى ذلك؛ لأن لجان التحقيق وسؤال الوزراء والاستجوابات قد تضيع بين أصوات العرس الديمقراطي وأضوائه، والذي احتاج إلى تضامن واصطفاف ونسيان للقسم وميثاق الشرف، ودستور البحرين لا يضار حين تستدعي الغالبية الالتفاف عليه، لأنه كما هناك قسمٌ في المجلس هناك غيره في أمكنة أخرى، وكما هناك ميثاق للدولة هناك ميثاق للجماعة، وكما أن هناك دستورا للبحرين فهناك دستور للكتل والجمعيات كل بحسب أهوائه ومصلحته، ويبقى المجلس سيد قراره!
إقرأ أيضا لـ "سيد عبدالله مجيد العالي"العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ