تؤكد الكثير من التقارير والاحصاءات أن الشيعة في العراق يشكلون أكثر من ثلثي السكان على أقل التقادير عشر محافظات جنوبية ذات وجود شيعي خالص من أصل 18 محافظة هي كل المحافظات العراقية بالاضافة إلى الثقل السكاني الذي يمثله الشيعة في العاصمة بغداد، 50 في المئة أو أكثر.
ولهذه الغالبية العددية في بلد عريق بتاريخه وحضارته ولعوامل كثيرة - لا مجال لذكرها هنا - كان من الطبيعي أن يصبح هذا الوجود الكبير العمق الاستراتيجي لكل الشيعة في العالم العربي بل وفي الكثير من مناطق العالم الاسلامي.
فهم الرواد والطليعة في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والعلمية سواء البشرية منها أم النظرية، ولا أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من نتاجات العلماء والمفكرين أمثال بحرالعلوم والخوئي والصدر وعلى صعيد الأدب والشعر أمثال الجواهري ومعروف الرصافي ونازك الملائكة والبياتي.
انطلاقا من هذه الحقائق نستنتج ونعرف نصيب الشيعة الأكبر من حجم المعاناة والألم الهائلين اللذين أصابا الشعب العراقي بكل فئاته في نصف القرن الماضي وخصوصا العقدين الأخيرين منه، سواء ما كان من أثر الحروب المتتالية، أو نتيجة القمع السياسي اللا محدود.
واليوم، والعراق - نظاما ومعارضة وشعبا - يعيش هذا المنعطف التاريخي الكبير المتمثل في التهديد الأميركي بالاجتياح والغزو ولربما السيطرة والاستعمار لفترة طويلة من الزمن يجرى الحديث كثيرا عن موقف شيعة العراق أمام هذا الحدث الجلل! وخصوصا ما يتم تداوله عبر وسائل الاعلام المرئية والمقروءة من دور المعارضة الشيعية في هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة والخطيرة، وموقفها سلبا أم ايجابا، وذلك لما تمثله هذه المعارضة من قوة وثقل كبيرين على أرض الواقع لما أسلفنا ذكره من حجم الوجود الشيعي الكبير في العراق. والآن وبعد أن وافقت أكبر فصائل المعارضة الشيعية على المشروع الأميركي لاسقاط النظام العراقي والمساهمة فيه، ولو من جهة الإطاحة بالسلطة من دون المشاركة في الحكم - بحسب الرؤية الأميركية - أصبحت هذه المعارضة الشيعية عرضة للمساءلة بل وللاتهام في نظر الكثيرين من أصحاب الرأي والفكر في البلاد العربية والاسلامية بغض النظر عن الشارع المنطلق من عواطفه ومشاعره.
ونتيجة لهذا الموقف الاتهامي الكبير وبالتالي هذه الضغوطات النفسية والعملية، يجد الشعب العراقي والمعارضة - الشيعية بالذات - بكل ما فيها من اتجاهات وتفرعات - تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما نسيان الماضي والتغاضي عن كل هذه الآلام والجراحات وكل هذا السيل الكبير من الدماء التي سالت على يد النظام الحاكم وبالتالي التحالف معه في صد هذا العدوان الكبير الذي قد يتهدد البلاد برمتها وكاملها - كما هو رأي البعض في هذا الموضوع - وإما الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر والمتمثلة في وجود طرف دولي قوي مثل أميركا عازمة على اسقاط هذا الحكم وبالتالي الدخول والمساهمة في هذا المجال بحسب الطريقة والاسلوب اللذين يرى صحتهما كل طرف من المعارضة.
فإذا المعارضة الآن هي المحك والميزان، فإن اختارت الموقف الأول وأصبحت بالتالي وطنية وشريفة في نظر الجماهير العربية العريضة! فحينها من يقول ان الانسان البسيط المقموع والمقهور في الشارع العراقي قد يقبل بهذا الموقف، إن لم يتخذ الموقف المعاكس والمغاير تماما، إذ استعداده النفسي والعملي لاستقبال الجنود الاميركيين بالورود والرياحين لا حبا فيهم، ولكن نكاية بالنظام وانتقاما منه - كما يقوله الكثير من أفراد المعارضة ويدّعونه - وهذا ما حصل فعلا في حوادث انتفاضة العام 91م إذ انقلاب شريحة واسعة من الجيش العراقي المهزوم العائد من الكويت على النظام وتحالف قطاعات كثيرة من الشعب معه وانتفاضتهم على السلطة آنذاك كما هو معروف.
وقبل الاسهاب في الحديث عن هذا الموضوع، أحب التنويه إلى بعض النقاط:
- انعدام القدرة في الداخل العراقي على إحداث أي نوع أو أي مستوى من مستويات التغيير في النظام وأجهزته وأساليبه في الحكم، وذلك لما أبدته وتبديه السلطة من قدرة هائلة على الضبط والتحكم في مجريات الحوادث والسيطرة التامة على مؤسسات الدولة المختلفة.
- عجز النظام العربي الرسمي والشلل التام عن اتخاذ المبادرة في فعل أو القيام بأية خطوة، والمساهمة مهما كبرت أو صغرت من شأنها إصلاح الخلل في الشأن العراقي وبالتالي تفويت الفرصة على القوى الكبرى (أميركا وبريطانيا) لتمرير مخططاتها وفرضها على الأمر الواقع.
- كثير من الدول الكبرى الأخرى - روسيا وفرنسا وألمانيا مثلا - لم تتخذ مواقفها الرافضة للحرب وللهيمنة الأميركية إلا من منطلق مصالحها الذاتية البحتة، فالدافع لهذه المواقف هو عدم رغبتها في استفراد اميركا وبريطانيا بمقدرات وخيرات العراق وأبرزها النفط، وبالتالي حرمانها من هذه الثروات الهائلة التي تزخر بها المنطقة. والدليل على ذلك هو ما سيبدر منها من موقف لو كان التهديد بالحرب والغزو على بلد آخر غير العراق كاليمن والسودان او الصومال - مثلا لا سمح الله - فهل يكون لهذه الدول كل هذا الضجيج والاعتراض؟
بعد كل هذه المعطيات والحقائق، ينبري هذا السؤال الكبير، ما الموقف السليم الذي يجب ان تتخذه اطراف المعارضة العراقية الشيعية على وجه الخصوص؟
سؤال لا أملك الاجابة عليه بهذه السهولة والبساطة لأنني اجد نفسي - انا الذي من خارج الدائرة - على المحك تماما مثل اي فرد آخر من أفراد الشعب العراقي ومعارضته الوطنية بكل قياداتها
العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ