نشرت صحيفة «الوسط» حديثا خبرا مفاده ان اللجنة التشريعية بمجلس النواب التي يرأسها النائب خليل المرزوق عضو جمعية الوفاق قد رفضت إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية، وتوافقت مع الرأي الرسمي بأن يكون الديوان جزءا من الرقابة المالية بذريعة خفض الكلف.
الخلفية
انبثقت فكرة الحاجة للإصلاح الإداري بعد الاستقلال مباشرة حين أعيد تنظيم المؤسسات الحكومية وتمت الاستعانة بالخبراء لتطوير ديوان الموظفين آنذاك الذي تولى مسئولية وضع نظم حديثة للخدمة المدنية، والمساعدة في إعادة تنظيم الوزارات وفي العام 2001 وجه مجلس الوزراء إلى ضرورة تفعيل أجهزة التفتيش الإداري للتحقق من كفاءة مستوى الأداء وتبسيط الإجراءات، وهي مهمة شاقة لمن يعرفها، وفي العام ذاته أصدر سمو ولي العهد قرارا شكلت بموجبه لجنة فرعية وضعت مقترحا لمشروع قانون ديوان الرقابة الإدارية، وفي العام 2002 صدر مرسوم أميري شكلت بموجبه لجنة للتطوير الإداري في الجهاز الحكومي، وفي العام 2003 أقر مجلس الشورى مقترحا بقانون للرقابة الإدارية وأحيل للحكومة في مايو/ أيار 2004 التي قامت بدورها بدراسته وأحالته بملاحظاتها وتحفظاتها إلى مجلس النواب الذي احتفظ به حتى نهاية الفصل التشريعي الأول ولم يتمكن من إصداره.
وفي الفصل التشريعي الجاري وافق مجلس الشورى مرة أخرى على مقترح القانون الذي استكمل دورته السابقة لينتهي به الأمر في مجلس النواب ويتم التحفظ عليه هذه المرة من قبل اللجنة التشريعية برئاسة جمعية الوفاق.
- ان إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية قد نص عليه الفصل الثالث من ميثاق العمل الوطني الذي حدد أهدافه في إحداث تغيير في تفكير الإدارة العامة يصاحب الانفتاح الاقتصادي عن طريق تبسيط الإجراءات والشفافية والفضاء على التداخل في المسئوليات وتحسين مستوى الخدمات، وتحكيم معايير النزاهة وتكافؤ الفرص.
وحيث ان الميثاق حسب ما جاء في مقدمته هو مرجع للمسيرة الوطنية، وهو حسب المذكرة التفسيرية للدستور دليل عمل المستقبل والأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها القانونية فإن رفض إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية هو مخالفة صريحة للميثاق والدستور الذي نصت المادة الرابعة منه على الحرية والمساواة والعدل وتكافؤ الفرص كدعامات للمجتمع تكفله الدولة. كما انصت المادة (16) منه على المساواة في تولي الوظائف العامة، وهي المبادئ التي فعلها قانون الخدمة المدنية بآليات تنفيذية تتطلب المراجعة والرقابة من قبل جهاز متخصص لضمان تنفيذها.
- ان مهمة الرقابة الإدارية تختلف في طبيعتها تماما عن الرقابة المالية، فالمسئوليات والواجبات مختلفة لهذا السبب تختلف طبيعة التأهيل العلمي والتدريب العملي للمدقق المالي عنه للمدقق الإداري، من هنا فدمجها يعتبر خلطا وإرباكا بحسب المعايير المتعارف عليها. من جهة أخرى فإن توفير أموال الدولة من خلال الدمج غير ممكن لحاجة الجهازين إلى تخصصات مختلفة إذ لا يمكن لأي منهما القيام بعمل الآخر.
ان حاجتنا إلى جهاز للرقابة الإدارية لا تحتاج إلى برهان، ففي الاستفتاء الذي أجرته «الوسط» قبل عامين صوت 98 في المئة لصالح الرأي القائل إن غياب الرؤية وسوء الإدارة سبب لتردي الوضع الاقتصادي. فإذا كان النظام الإداري مهترئا فإن الرقابة المالية ليس بوسعها مطاردة الأطياف، وهذا ما أثبتته تجربة ديوان الرقابة المالية خلال السنوات الماضية. وقد شخص سمو ولي العهد ذلك حينما ذكر في منتدى جدة الاقتصادي أنه ليس أضر على الاقتصاد والتنمية من الفساد الإداري.
ويبقى السؤال قائما لماذا ترفض اللجنة التشريعية في مجلس النواب والتي تترأسها جمعية الوفاق مقترح إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية؟
الجواب يكمن في أمرين، فإما أن يكون وراء الرفض مقايضة سياسية حينها يصبح الثمن المدفوع باهظا لكون أتباع الوفاق هم أول المتضررين والشاكين من تغييب معيار الكفاءة والجدارة وتكافؤ الفرص. واما أن يكون السبب عائدا إلى نقص في المعرفة الناتجة عن غياب التخصص والخبرة في هذا الجانب، وفي هذا ايضا خيبة أمل مؤلمة لمن منح صوته وثقته.
إلا ان الأمر أبعد من ذلك، ومرده الهيكلة القائمة والأسس التي بنيت عليه هذه الهيكلة والتي جعلت من إدارة الوفاق هدفا يسهل اصطياده ومحاصرته وتحجيمه لدرجة اقتناعه بضعفه، فقد ولدت سياسة الانغلاق على الذات وصد مفهوم الشراكة إلى خسارة في الكفاءات انعكست في طبيعة شغل الشواغر على هيكلها والتي استندت إلى مفهوم القائمة الايمانية على حساب الكفاءة والخبرة فكانت الحصيلة ما نشاهده من اخفاقات وتخبط بدءا من اخفاقات الاستجواب والاصطفاف الطائفي إلى العجز عن معالجة أي من الملفات الحيوية.
ما العمل؟
المؤسسات الحية تتسم بالحيوية والتجديد وتتبنى آلية التقييم والمراجعة فجمهور الوفاق ومن خلفه التيارات الوطنية الأخرى مسئولة عن تقييم أداء أجهزتها القيادية لتطوير الأداء وتجنب اخفاقات المرحلة الماضية. ومن أهم عوامل النجاح هو إعطاء الأولوية لمعيار الكفاءة والخبرة لمن يرغب في تحمل مسئولية العمل الوطني، فترديد الشعارات لا يمنح المعرفة ولا يؤهل للقيادة اللازمة لتحقيق طموحات الناخبين وخدمة الوطن.
النقطة الاخرى الاهم هو التجديد، فقد دأبت التنظيمات الشمولية على ديمومة القيادة لدرجة التحجر على رغم ترديدها لمقولة تبادل السلطة، كما دأبت على تبني مركزية القرار على رغم ترديدها لمقولة المشاركة والديمقراطية والشورى.
إن الجمود في القيادة يقتل الإبداع ويجعل من تكرار الأخطاء القاتلة سمة تحصر المجتمع في عنق زجاجة كما أن مركزية القرار يفوت الفرصة على استثمار الأفكار والطاقات الإبداعية المتوافرة. ان تجربة العامين الماضيين جعلت من جمهور الوفاق وإدارتها أمام مفترق طرق خطيرة مما يحتم على الجميع إعادة تقييم التجربة فإدارة لا تقبل التقييم والتجديد والرقابة والتدقيق الإداري لا يمكنها النجاح في تحقيق أي هدف سوى الاخفاق. ويبقى الأمل معقودا على وعي المواطن لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ