تتواصل أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية انتشارا. فمن (ريو دى جانييرو)، إلى (كابول)، مرورا بـ (القاهرة). مقابل ذلك تتنامى على المسرح العالمي برامج تقليص الفقر، ويترافق كل ذلك مع تعالي الأصوات في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة، التي تطالب الدول الفقيرة والنامية بالتقيد في تطبيق قوانين وأنظمة اتفاقات التجارة الحرة، على رغم عدم تقيدهم في الغرب بأبسط مقاييسها. ففي آسيا تواصل دق نواقيس خطر الجوع واحدة من كبرى شبكات المنظمات غير الحكومية فى العالم، «شبكة عمل المبيدات» (بان) البيئية العالمية محذرة من «خطر انخفاض إنتاج الرز على مدى أعوام طويلة». وتلفت «بان» النظر إلى قضية في غاية الأهمية وهي تهميش دور صغار مزارعي الرز في آسيا. ففي تصريح لوكالة الأنباء العالمية (إنتربرس سيرفس) تؤكد منسقة حملة «أنقذوا رزنا» كلير ويستوود بأن «التشجيع على زراعة الرز بمعايير تجارية صناعية، من خلال فرض زراعة المحصول الواحد لإنتاج أنواع عالية الإنتاجية تتطلب كميات هائلة من الكيماويات، كوسيلة لتلبية الطلب العالمي المتزايد ... (قد) أدى إلى تهميش صغار المزارعين فى الجماعات الريفية التى اعتادت على تطبيق المعرفة التقليدية المتراكمة على مدى القرون لإنتاج أنواع الرز المنسجمة مع الأحوال المناخية والبيئية المحلية. وقد أدى ذلك إلى إفقار نسبة عالية من المزارعين الآسيويين من جراء ذلك التهميش.
وفي آسيا أيضا، وتحديدا في أفغانستان، تنقل وكالة الأنباء نفسها صرخة مواطن يدعى زاهر يصف حياة الناس بأنها تحولت إلى جحيم، إذ يعجزون «عن شراء الطعام لأنه غال جدا ... والناس غير قادرة على الأكل كل يوم». فقد ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة تقرب من 100 في المئة منذ بداية العام 2008، وزاد سعر الرز بنسبة 38 في المئة فى العام الماضي، وأثر الغلاء على غيرهما من السلع الغذائية الأساسية، وأدى إلى قلاقل شعبية فى مدن أفغانية مختلفة.
وبالقدر ذاته تشهد أميركا اللاتينية انتشارا متزايدا لبرامج تقليص الفقر باستخدام موارد مالية ضئيلة، تتراوح بين 10 و 100 دولار شهريا للأسر الفقيرة فى البرازيل، بكلفة إجمالية تقتصر على مجرد 0،7 من ناتجها القومي. وتطبق هذه البرامج المعروفة باسم «التحويل المشروط للدخل» بأشكال متفاوتة فى 12 دولة أميركية لاتينية حاليا، فقد استفادت من هذا البرنامج المحدود جدا 111 أسرة فى البرازيل والمكسيك و5 ملايين أسرة فى المكسيك، فيما وصلت إلى مجرد 1500 أسرة فى كولومبيا.
وما نزال في أميركا اللاتينية إذ نادت اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي، التابعة إلى الأمم المتحدة، حكومات المنطقة بتطبيق تدابير عاجلة لاستيعاب غلاء أسعار الغذاء، محذرة من أنه يهدد بزيادة عدد الفقراء فيها بأكثر من 16 مليونا يضاف إلى الأعداد الحالية.
وقال الأمين التنفيذي للجنة خوسيه لويس ماتشينيا: «إن تداعيات الوضع الاقتصادي العالمي ستؤثر على دول المنطقة بدرجات متفاوتة، أكبرها على أكثرها فقرا نظرا لغلاء الغذاء، وأيضا على الدول المصدرة للولايات المتحدة وتلك المنتفعة بتحويلات مهاجريها إليها».
وفي محاولة منها لتقدير انعكاس أية زيادة في أسعار الغذاء على أوضاع فقراء دول أميركا اللاتينية، وجدت اللجنة أن زيادة بقدر 15 في المئة فى أسعار الغذاء ستزيد عدد الفقراء بين 12,7 في المئة و 15,7، الأمر الذي يعني أن يبلغ عدد الفقراء فى أميركا اللاتينية 5,204 ملايين، وعدد الفقراء المطلقين 84,2 مليونا، مقابل 10 ملايين من المصنفين فى فئة الفقر المطلق.
ولايمكن لأي منصف أن يتجاهل الدور السلبي الذي تمارسه حكومات الدول المتقدمة، والذي يوسع من دائرة الفقر العالمية. فقد أشارت مجموعة من الخبراء، كما نقلت (إنتربرس سيرفس) إلى أن «الدعم الذي تقدمه أوروبا والولايات المتحدة لقطاعها الزراعي، والذي يكلف مواطنيها مليار دولار يوميا، إنما يساهم فى قلة الإنتاج الغذائي وغلاء أسعاره ودمار صغار المزارعين فى البلدان النامية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ