فراس... طفل عراقي ولد في قطر عربي، يسعى لمحاصرة الحصار المفروض عليه وفق قواعد سياسية لا دخل له فيها، ومن دون جرم عدا ولادته في المكان غير المناسب والزمان غير المناسب، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يجعل من الصعوبات المحيطة فرصا نادرة، ومن الآلام المحبطة آمالا محيطة، حتى كان مثلا للمقولة التي تقول إنه في العادة ينجب الفقر العباقرة ليس لأن الفقر يساعد على الإبداع والتطور، بل لأن الفقر والظروف التي تصاحبه تدفع بالساقطين فيه إلى زوايا الخيارات الصعبة والجنونية التي تكون فيها العبقرية ضربا من الجنون في الأوضاع المشابهة.
قدمت قناة «الجزيرة للأطفال» الفرصة لفراس وغيره من الأطفال الواقعين ضمن النطاق العمري بين سن العاشرة والخامسة عشرة، فرصة على طبق من ذهب للحديث والتعبير عن أنفسهم وما يختلج في أنفسهم في شتى الموضوعات التي يحبون الخوض فيها من دون رقابة أو خوف، وهو الأمر الذي يعد - إن صح التعبير - ثورة على الأعراف السائدة في الكثير من المجتمعات العربية، وتحديا للموروثات التربوية الخاطئة التي تعاملت مع كينونة الطفل بسلبية كبيرة وداست على شخصيته وأمعنت في ازدرائها وسحقها لفترات طويلة.
كم هو رائع أن يجد فراس العراق وزينب الجنوب اللبناني وكل أطفال العرب فرصتهم في الحديث بحرية وانطلاق من دون تهديد أو إرهاب، جميل جدا أن يجلس أطفال العرب مع من يسقط الكلفة بينهم وبينه بطريقة تكرس المحبة للجميع بشكل واضح وتتيح لهم الفرصة للانطلاق بكل صدق وعفوية للتعبير عما يعجز تعبير الكبار عنه.
الحوار الحميمي الذي يستعرض فيه الطفل مكبوتاته من مشاعر وأفكار وخواطر تجاه محيطه الأسري والمدرسي والمجتمعي عموما، بهدف تعزيز قدراته الحوارية وتحسين أدائه اللغوي في التعبير بدقة وأمانة عن آرائه ومعتقداته، هي أروع هدية تقدمها قناة خاصة بالطفل العربي، وهي أول البرامج من نوعها على مستوى القنوات الخاصة بالطفل في الوطن العربي لترسيخ مفهوم الديمقراطية لدى الأطفال وكيفية التعبير عن آرائهم.
بقدر ما يشعر المشاهد بالسعادة والسرور عندما يشاهد انطلاقة الأطفال في الحديث مع مقدمة برنامج «كلمني» مروى خميس، فإنه يشعر بالحسرة والألم لأننا كوننا مجتمعات عربية نعتبر من أكثر المجتمعات التي تتسلط على فكر الطفل والتحكم في أبسط القرارات الخاصة به حتى يخرج إلى الحياة هشا لا يملك قرارا ولا اعتبارا.
أفكار غريبة عجيبة تتصف بالجرأة الكبيرة والذكاء الحاد تلك التي تخرج من رؤوس هؤلاء الصغار، ويا ليتها تتحقق، فعلى رغم عدم واقعية بعضها فإنها تنم عن اتساع مخيلة الطفل وثرائها التي تحتاج إلى من يصقلها ويوجهها إلى الاتجاه السليم ويشجعها على الاستمرار في النماء والرقي بشتى السبل المتاحة.
أتمنى أن لا يحرم أطفال العرب من نعمة التعبير عن الذات أمام أقرانهم، فهي من أبسط حقوقهم التي يجب أن يمارسوها كاملة غير منقوصة، وهي حق واجب وليست منحة زائدة.
كم أتمنى أن يكون لدينا في كل بيت ومدرسة ومؤسسة تربوية مروى خميس، وفي كل محفل طفولي برنامج يحمل الرسالة الهادفة والنبيلة التي يتبناها برنامج «كلمني» حتى نرقى بالطفولة وبالمجتمع وبالإنسان.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ