هذا المجتمع البحريني الصغير هو الذي سمح لصحفنا الموجودة حاليا بأن توجَد، والهدف من هذه الموافقة المجتمعيّة هو الحصول على خدمات معلوماتيّة وتحليليّة بكفاءة وجدارة، وإن إخفاق أيّ صحيفة في القيام بهذه المهمّة هو إعلان ضمنيّ لرفض المجتمع لها، إذ أنّها لم تستطع أن تحقّق له طموحاته ورغباته؛ أي أنّها ليست منتَجَه المدنيّ. واليوم إذ نقف عند الذكرى السنوية لليوم العالمي لحرية الصحافة فإننا لنتساءل عن الدور الذي قامت به صحفنا المحلية في تطويق كلّ ما من شانه تحريف الرسالة الإعلامية التي توقع المجتمع منّا أن نؤديها.
اليوم، ليست السّلطة السّياسيّة (الدولة)، ولا الجمعيات السياسية المعارضة، هما قوام المجتمع المدنيّ البحريني فقط، لذلك هم خارج لعبة الصّحافة، وعلى الصحافيين أن يتّخذوا القرارات بأنفسهم من دون وصاية سياسيّة أو نخبويّة. فالاعتقاد بضرورة دعم أيّ سلطة سياسيّة او اجتماعية بإعتبارها خلاصة التّشكل المدنيّ والحقيقة النهائية - مهما امتلكت من مظاهر القبول المجتمعيّ - هو اعتقاد يمثل انحرافا عن دور الصّحافة. والتّناغم - إن وُجد - قد يفرضه الرّأي العامّ حصيلة للتّعايش السّويّ بين الحقول، كما يعبر «بيير بورديو» عالم الاجتماع الفرنسيّ. وليس هو بالضّرورة نتاج القرار المؤسّسيّ. وهو ما يعني ضرورة ألا تكون صحافتنا المحلية مستسلمة لهذا التهريج الطائفي الذي لا أحد يبدو بريئا من الخوض فيه وتفعيله وتمكينه بين الناس.
ليس المجتمع البحريني بؤرة صراع، ولا يمكننا أن نؤسس له بهذا الشكل، بل هو يجب أن يؤسس له باعتباره مجتمعا يتكون من مجموعات إنسانية هي بمثابة المُثل المتجاورة بأيديولوجيات وتشكلات اجتماعية وسياسية مختلفة، والصّحافة هي التي تسعى إلى الحفاظ على هذا التّجاور السّلمي.
سينشأ هذا الصّراع الذي نخشاه على البحرين متى أخفقنا في تأسيس صحافة مدنيّة؛ لأنّنا بذلك لا نملك مجتمعا مدنيّا أو صحافة مدنيّة تضبط الإيقاع المجتمعيّ. وليس لهذا التّناغم أنْ يكون مناقضا لوحدة المجتمع الذي لا نعني به - شعبا واحدا- بل مجموعة غرباء متّفقين يجمعهم عقد اجتماعيّ.
إنّ مفهوم التّجاور الاجتماعيّ هو مفهوم إقليميّ، بمعنى أنّه مفهوم متجاوز للسّلط الآسنة، هو مفهوم مجتمع مدنيّ فاضل. بمعنى أنّ السّلطة غير مُؤَدلجة أو متذهبة بقصد، ولا ضرر في أن تكون نتائج العمل المجتمعيّ المدنيّ مؤدلجة في بيئة تواصليّة سويّة بحسب «هابرماس»، فالتّجاوز نسبيّ في الغالب لكن أنْ يؤسس للدولة السنية قبالة المعارضة الشيعية فهو ما يجب أن نقف عنده كصحافيين بالمرصاد وسواء اكان خطاب الدولة من يروج لهذه الثنائية الطائفية أو خطاب المعارضة.
ليست الصّحافة تقويضا للدّولة ولمفهومها، فالدّولة هي مؤسّسة مدنيّة ينتجها الجمهور، والصّحافة مؤسّسة ينتجها نفس الجمهور، لذا لا بدّ أن يكون بينهما توازن بشرط ألاّ يصل إلى حدّ الاندماج، فتكون صحافة سلطة لا صحافة مجتمع مدنيّ. وليس الصحافة تقويضا للجمعيات السياسية ذات الصبغة المعارضة فهي مؤسسات أنتجها الجمهور أيضا، لذا لا بدّ أن يكون بين الصحافة وهذه الجمعيات توزان لا يصل حد الإندماج فتكون الصحافة صحافة حزبية، على أن مقاومة الدولة أو هذه المؤسسات إنْ تبنوا الطرح الطائفي هو واجب على الصحافيين الذين هم بالتأكيد سدنة المجتمع والحرّاس على أمنه وسلامته وتجار أبنائه تحت العباءة الوطنية.
العدد 2067 - السبت 03 مايو 2008م الموافق 26 ربيع الثاني 1429هـ