من الأهداف السامية لأية ديمقراطية هي المشاركة الحقيقية في بناء الوطن وتقدّمه معتمدا على مبدأ التعاون بين السلطات وفصلها. وديمقراطيتنا البحرينية الأصيلة اعتمدت على عدّة مبادئ وأحدها مبدأ الأسرة الواحدة التي تتشارك الهموم والتطلعات وتوزيع الأدوار.
ديمقراطيتنا اعتمدت أيضا على مبدأ حسن النية الصافية التي يتسم بها شعب البحرين بدءا من القيادة إلى أيّ فرد من أفراده؛ لأن الهدف واحد والتطلعات مشتركة، صحيح أنّ السياسة لا تعرف النيّات الحسنة ولكن هذا ما تعوّد عليه شعب البحرين بقيادته الذي يعيش تحت سقف واحد، لا يعرف النيّات السيئة المبيّتة ضد أيّ فرد أو فئة.
وزيارة سمو رئيس الوزراء إلى مجلس الشورى في مضمونها تحمل أكثر من معنى بحسب التصريح الصحافي الذي صدر بعد الزيارة ونشر في جميع صحف البحرين، وعنوانها العام هو إبداء النية الحسنة التي درج عليها في تعامله الخاص والعام وتجاه السلطة التشريعية وخصوصا جناحيها الشورى والنواب. ويمكن التركيز على مضامين الزيارة في النقاط الآتية:
أوّلا: التأكيد على السمو بالتجربة الديمقراطية والترفع عن الانفلات واستخدام الألفاظ التي لم تكن معروفة لدى شعب عُرف عنه الاحترام المتبادل بين أطيافه، فلم تكن المصطلحات الطائفية موجودة في قاموسنا البحريني، ولم يكن التعدّي على أحد أيا يكن موقعه سائدة في المجتمع، وما يحصل الآنَ في تجييش الشارع سواء في المساجد أو المآتم والمنتديات الإلكترونية وبعض الصحف والمجالس لأيّ طائفة كانت تعتبر عادات مستوردة ودخيلة، ولا توجد أيّ شريعة سماوية أو ديمقراطية صحيحة تجيز النيل من الآخرين؛ لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية أو طائفية، صحيح أنّ الاختلاف في الرأي ربما يؤدّي إلى سوء الفهم ولكن يجب ألا يخرج من الإطار العام القائم على أساس احترام رأي الآخر.
وما لاحظه سمو رئيس الوزراء من ألفاظ شاذة تخرج من أفواه ثلّة من النواب يفترض به القدوة قد حزّ في نفس سموه كثيرا؛ لأنه لم يألفه بتاتا طوال حياته وواقعه الحالي أيضا يشهد بذلك حيث لا تمييز بين مسئول ومواطن لديه، كما لم يتوقعه الشعب أنْ يحصل فيما بين ممثليهم أنفسهم. إنّ ثقافة المواجهة بين ممثلي الشعب لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال؛ لأنها لا تعكس واقع التآلف والطيبة الذي يتمتع به هذا الشعب.
ثانيا: التأكيد على التعاون البناء مع السلطة التشريعية وهو هدف سعى له جلالة الملك وجسّده سمو رئيس الوزراء عبر حكومته من خلال المشاركة في عملية التشريع عبر تقديم مشروعات القوانين والتي تناقش بكلّ حرية في الغرفتين، واقتراحات القوانين والرغبات التي يبديها ممثلو الشعب، فلا يمكن للسلطة التشريعية من السير قدما بعيدا عن الحكومة ولا الحكومة قادرة على تجاوز السلطة التشريعية في بناء البحرين وقيادتها نحو المستقبل الذي تتقاذفه المصالح الإقليمية والدولية. التعاون الذي عناه سمو رئيس الوزراء قائم على أساس الاحترام والتناغم في أداء الأدوار والتفاهم على الأولويات لما يحقق مصلحة مشتركة وكفيل بتحقيق تطلعات الجميع، فلا يمكن التضحية والاستعجال في تنفيذ أمر ما من دون التنسيق المشترك والرؤية المستقبلية لنتائجه.
وعلى ذلك لا يمكن احتساب أيّ انجاز للبحرين لفئة أو كتلة برلمانية أو وزارة بعينها؛ لأنّ الكل يساهم في البناء والتوجه.
ثالثا: التأكيد على أنّ من يقف تحت قبة البرلمان هو يمثل الشعب بأكمله وهو الأمر ذاته الذي أكّد عليه دستور البحرين، فهو لا يمثل كتلة برلمانية، أو طائفة ودينا، والناس أخذت تلجأ إلى أيّ نائب أو عضو تشريعي بغض النظر عن انتمائه أو منطقته لاعتقاد الناس أنّ أعضاء السلطة التشريعية يمثلون الجميع.
ونظرا لكون البحرين صغيرة في المساحة ومتداخلة في بعض المناطق التي يعيش فيها مواطنو الطائفتين الكريمتين وأصحاب المذاهب والديانات الأخرى فقد جاء المشرّع بنص في الدستور يشير إلى أنّ المنتخب والمعيّن يمثل شعب البحرين بلا استثناء.
رابعا: أشار سمو الرئيس أنّ ديمقراطية البحرين هي منهاج ارتضاه الشعب بالتوافق مع قيادته الحكيمة، وأن استخدام الأساليب الراقية في الحوار هي في مصلحة وخير الوطن. الحوار الهادف البعيد عن التعصب من أيّ طرف كفيل بحل أيّ إشكال يُواجه أفراد العائلة الواحدة.
الخروج عن أدب الحوار بتسقيط الآخرين سواء تحت القبة البرلمانية أو في الشارع هو أسلوب يرفضه كلّ بحريني غيور على وطنه، وقد دأب العقلاء من السياسيين والمثقفين وعلماء الدين الأفاضل على منع الانزلاق في متاهات الفوضى عبر الحوار الهادف، وما يحصل حاليا في بعض المناطق أو في مجلس النواب سببه المباشر عدم وجود الحوار الذي يفضي إلى الخروج بنتائج ترضي أكبر نسبة من الناس.
ما ينبغي التأكيد عليه هو الاستفادة من المضامين التي طرحها سمو رئيس الوزراء خلال هذه الزيارة أو التي دوما ينادي بها خلال أيّ لقاء أو تجمع في مجلسه الخاص أو من خلال المقابلات الصحافية وتفعيلها وتجسيدها على أرض الواقع بدءا من ممثلي الشعب وخلق علاقة وثيقة مع أعضاء السلطة التنفيذية قائمة على أساس المصلحة الوطنية للبحرين أوّلا، ويمكن هنا مثلا بتبني الكتل النيابية بإقامة المنتديات والمؤتمرات خارج مناطقهم الانتخابية لتعزيز ثقافة الوحدة والتآلف والحوار الهادف بين البحرينيين، وإشراك الغيورين على البحرين من أي طائفة أو انتماء وتوجه لتحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة.
إقرأ أيضا لـ "حسين خميس"العدد 2066 - الجمعة 02 مايو 2008م الموافق 25 ربيع الثاني 1429هـ