استكمالا لما بدأت به في مقالي السابق المعنون بـ «العرس الديمقراطي من وجهة نظر الظهراني»، العرس الديمقراطي الذي انطلق فور انتهاء الاستجواب وقبل إعداد التقرير من قبل لجنة الخدمات المعنية بإدارة الاستجواب.
أغرب ما في الموضوع أنْ نتكلّم عن نواب يفترض أنْ يكونوا نوابا للشعب لا للحكومة، ومع ذلك نجدهم ينحازون بصورة مُفرطة لأشخاص تربطهم به مصالح قد تتوقف بمجرد السماح بعبور الاستجواب، أو يكون لا مستقبل لهم في المجلس بعبور الوزير إلى منصة الاستجواب، ونضيع بذلك البوصلة فذلك أمر محزن للغاية، فالفساد الذي من المفترض أنْ يُحارب من تحت قبة البرلمان يحتاج إلى إرادة سياسية قوية لمحاربته، ويحتاج إلى أيدٍ نزيهة، ونيّات مخلصة، لا أيدي ملطخة أو منحازة، أو رؤوس مفسدة، قد جاءت بهدف محاربة الفساد، على حد شعاراتهم السياسية المُعلن عنها، ولكننا عندما نضع نقطة ونقف عندها نرى بأنهم أصلا جاءوا من حيث الفساد، ونظرا لوجود فساد مستشرٍ، من خلال مراكز عامّة، وهندسة انتخابية راقية جدا، ذات نفوذ. مهندس الانتخابات لم يشأ أنْ يبّت في التخلّص منها على رغم ما قيل عنها، لكونها هي الأخرى تحدد مصيره ومستقبله السياسي، وقد جاء الوقت المناسب لرد الجميل.
الكتل لم تجد بدا من الاستفادة من العرس السياسي الديمقراطي التي أعدّت له كتلة الوفاق لقلب الطاولة، وليحتفلوا اليوم وحدهم بفرحتهم فالمستجوب بحسب تعبيرهم قد خرج من الاستجواب الذي أصرّت عليه الوفاق غير مدان، وأنّ كل ما ذكره المستجوبون كان تهما ملفقة لا وجود لها، والغرض من ذلك فقط الشوشرة والانتقام من شخص الوزير، هل يعقل ذلك يا جماعة الخير؟! وهل هناك دخان بلا نار؟ أفيدونا يرحمكم الله.
نريد أنْ نعرف بالضبط، هل ممارسة الصلاحيات الرقابية وفق الدستور والقانون جريمة؟
وهل الإصرار على الموقف بغض النظر عن صحته من عدمه منكر أو بدعة؟
إذا كان كذلك لماذا لم يعد العرس الديمقراطي الذي جاء على إيقاع الاستجواب بأنه بدعة هو الآخر؟ !
أم أن هناك مكيالين دائما نكيل بهم الأمور، لصالح التوازنات بعيدا عن لغة المنطق التي تفرض نفسها أحيانا علينا وندير ظهرنا عنها ونقرر معاداتها؟.
الذين يرون براءة الوزير من التهم الموجه إليه بحسب ما يراه المستجوبون إليه، نوجّه إليهم بدورنا سؤالا وأرجو أنْ يكونوا هذه المرة صادقين مع أنفسهم لا مع مَنْ حولهم:
هل صك البراءة الذي أعطي للوزير فور الانتهاء من الاستجواب كان يمكن أنْ يكون بلا استجواب؟
هل كان الوزير يستطيع تبرئة نفسه أصلا من التهم التي وجّهت إليه لو لم يُعط الفرصة؟
والفرصة إذا لم نتنكر لها جاءت من أوسع أبوابها أثناء الاستجواب وبعده، علينا أن نستفيد من الدرس جيّدا، وألا نقف حجر عثرة أمام أي تحرك من شأنه أنْ يضيف الشيء الكثير على تجربتنا الديمقراطية.
وعلينا أنْ نصبر لكي نتمكّن من قطف الثمار، وأن نتقاسمها بحلوها ومرها، فاليوم الجميل الذي شعرنا بالفخر فيه يوم انتصر المجلس النيابي على نفسه، وحصل الاستجواب بحضور مَنْ كان يجب عليه الحضور، ومَنْ يرغب أنْ يكون جزءا من الصورة، وأنْ يلتقط منها ما يلتقط.
علينا أنْ نلتقط الصور بعناية تامة، وأن نكون مركزين أكثر، أكره ما على الكائن الحي أنْ يعيش مقيدا، والأكره من ذلك أن نكون نحن الفاعلين ونحن المفعول بنا، نحويا لا يمكن ذلك ولكن نيابيا كان ذلك واضحا وضوح الشمس في الكثير من المواقف والمشاهد التي حوتها ذاكرتنا، والسبب كما يُقال على الدوام تلك القيود والضغوط المفروضة على المجلس وحجم المصالح المهددة. على المجلس أن يقوم التجربة بصورة موضوعية وأن يضع النقاط على الحروف، وأن يعيد القراءة من جديد، فالوفاق حينما تصر على مواقفها لا ترغب في أن تحقق ذاتها أو تنتصر لذاتها بل تريد أن تنتصر للمجلس أولا وللوطن ثانيا، التجربة النيابية لا تحتمل الأنانية السياسية، الوفاق تنظر بعيون واسعة وتحدوها الأمل أن تحقق كل يوم عرسا ديمقراطيا تفرح فيه وتفرح من حولها وتصر دوما أن تكون هناك أعراس، ونحن موعودون منها بمزيد من الأعراس، وإن كان العرس لن يأتي إلا من خلال الاستجوابات، فعلينا أن نمد أيدينا إلى كل استجواب، يطارد المفسدين وينال منهم، ولكن علينا أنّ نحافظ على هيبة المجلس ووقاره، وأن لا نستخف به، من خلال حصون هنا أو قلاع هناك تقف بالمرصاد لأيّ مستجوب، وتنغص علينا فرحتنا في أعراسنا الديمقراطية السياسية.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2066 - الجمعة 02 مايو 2008م الموافق 25 ربيع الثاني 1429هـ