القاعدة التي تقول إن «الضغط يولد الانفجار» قابلة لأن تكون صحيحة على عدة مستويات، أولها على المستوى الفيزيائي، وهي الحالة الطبيعية التي أنشئت عليها هذه النظرية، والثانية على المستوى الاجتماعي- السياسي، وقد تكون هذه القاعدة ذات صلة بالمنتوج الثقافي والفكري بشكل كبير.
تطبق هذه القاعدة على التجربة الثقافية والفكرية في العراق على سبيل المثال، إذ أنتج هذا البلد طوال عصورٍ أجيالا من المفكرين والمبدعين، وأصبح أبناؤه روادا في حقول الثقافة المختلفة.
العراق الذي عاش معاناة وبؤس الحرب لسنين، إلى جانب نظام الحكم الاستبدادي، جعل الشريحة المبدعة تحت طائلة أمرين أحلاهما أمرُ من العلقم، فإما أن يصبح المبدع يدا للحكم، ومطبلا أزرق يكتب ويرسم وينحت باسم النظام، وإما يترك وطنه بحثا عن وطنٍ لفنه وأدبه وعلمه.
في كلتا الحالتين، فالمطبلون لرايات الحكم كانوا يبدعون الكثير تحت طائلة الرعب والقلق والخوف الذي يعيشونه، وكان المهجرون ينتجون أيضا، إلا أن النكهة الإبداعية كانت متفاوتة بينهما، إذ إن الضغط الذي سببه الداخل العراقي، حقق انفجارا هائلا للطاقات المهاجرة.
التجارب التي عايشتها كانت أمثلة على حجم هذا الإبداع، فالنحات الكبير محمد غني، ومحمد البحراني، والرسام سلام عمر، والشاعر الذي نشتعل بكلماته دوما مظفر النواب، هم عينات لحجم هذا الإبداع، ولا أضنهم سوى أبسط العينات التي يمكن أن تذكر أمام ألوف العقول التي أنتجها الضغط بين سماء وأرض هذا البلد العظيم.
إذا فلنتفق على أن مكونات الإنتاج الإبداعي في الوطن العربي، كانت إما وليدة خوف، وتطبيل لحكم أو حكم في غلاف وطن، وإما هروب من هذه الأوطان إلى حيث لا توجد عصى مخبر تمتد لتخرس الأفواه، أو تكسر المعاصم.
العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ