تداعب كلتا يديها جمرات الفراق، أتتسلى حين تقطع أوصال الجمر لأنصاف، أو أقل من ذلك، من أجل أن تنفث دخانا كثيفا يحول المنطقة إلى ساحة معركة دخانية. تسعل وتتنحنح.
رئتاها تعبتان من هذا الطرق والتلوث الإلزامي، أو الانتحاري.
كان المقعد بمساحة «سوفا» يتمدد عليها جسدها المتعب، تمددت وهي تسحب الدخان الكثيف، وتنتهي السحبة بسعال، ثم تبدأ عملية النفث مكونة ركاما من الأبخرة المتصاعدة، يتلوى الدخان بين شفتين منضبطتين أفقيا على وجهها الذابل.
عيناها سوداوان، وأسفل منهما بقعتان بلون الرصاص. أنفها مدبب مائل إلى أن يكون دقيقا... تحتسي شرابا غازيا وبعض المشروبات التي تحتوي على ألوان مختلفة. كلها ضارة بالصحة. أشارت للنادل بأن يأتي بالحساب، طالعت الفاتورة مليا، وكأنها تقرأ بصعوبة ما وجدته فيها، كأني بها تقرأ أسئلة امتحان الثانوية العامة!
الأرقام كبيرة وواضحة؛ فالمحل فاخر. سددت نصف الثمن فيما الأخرى الجالسة قبالها تكفلت بالنصف الآخر. تمددت وأعادت ممارسة التدخين بشراهة. دخان كثيف يخرج إلى أعلى محدثا سحابات بيضاء، تفوح رائحة التفاح منه. ولكن أية تفاح... هذا التفاح المعتق والمخمّر.
هذا ما اعتادت عليه تلك الآنسة أو السيدة البحرينية. الكثير من الآنسات والسيدات يمارسن هذه العادة السيئة دونما حساب للعواقب المريرة التي قد تلاقيها الواحدة منهن. فإدمان تدخين الشيشة يعود بالضرر البالغ على المدمن والآخرين. ليس الضرر الصحي، بل والضرر النفسي من تكرار الغياب من البيت لساعات طويلة، وبالتالي الإخلال بمسئوليات المرأة تجاه أسرتها. تدخين الشيشة كأية عادة سيئة يدمن عليها الإنسان، فإن كلفتها تكون من عمره وحياته ووقته الذي يمضيه؛ ليس في سحب ونفث الدخان؛ بل في العلاج من آثار هذا الإدمان.
كنت قد رأيت تلك الآنسة أو السيدة البحرينية قبل فترة من الزمن، وكانت آية من الجمال، وكثيرة التباهي بجمالها: عيونها، أنفها وقوامها الرشيق. الآن، مسح الدخان مسحة الجمال فيها. وتحولت العينان الجميلتان إلى عيون باهتة، وتغير شكل ذاك الأنف السيف والقوام الفاتن إلى مجموعة مركبة في جسد منهك.
أضحى تدخين البحرينيات للشيشة - مع شديد الأسف - أمرا معتادا. وبدا الناس لا يتذمرون من هذا المنظر المقزز، بل يطلبه البعض حثيثا. وقد رأيت شبابا يافعا يبحث عن المقاهي المختلطة من أجل «الفرجة» على النساء وهن يمارسن عادة التدخين. وقد رأيت أطفالا صغارا يدخنون الشيشة في المقاهي، وحينما سألت النادل «راجو» عن هذا الخطأ أجاب بالنص: «بابا أنت أجلس هنا يقرأ، يشوف يكتب، جنجال مع نفر غير ما يبغى». لم أكن في يوم من الأيام صاحب «مشاكل» إلا أنه يبدو أن «راجو» أمن العقوبة فأساء الأدب ليس لي بل لأطفال هذا البلد!
أخيرا، فإن على أولياء الأمور أن يتابعوا أطفالهم وبناتهم أين هم يقضون أوقاتهم. وعلى البحرينيات الحسناوات، ومن دون ذلك، أن يعلموا بأن «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى». فارحموا أنفسكم وارحمونا «وبطلوا الهباب اللي اسمه شيشة ده».
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ