وإن كان النائب البرلماني الشيخ جاسم السعيدي الذي يفضل توصيفه بـ (السلفي المستقل) يتشابه إلى حد ما مع عدد من كتاب الأعمدة الصحافية في ما يطرحه من بيانات وتصريحات يعتبرها البحرينيون مثيرة ومؤجِجة في غالبها لدرجة أن أسخن أيام التسعينيات بغضاضتها لم تشهد جرأتها، فإن الفرق بين الاثنين حصانة السعيدي البرلمانية التي تعطي المسألة أبعادا وتأثيرات أكبر. وأبرز مثال البيان الأخير الذي مهّد قبل أسبوع تقريبا لنقل الإشراف على ضريحي صعصعة والشيخ إبراهيم من الأوقاف الجعفرية إلى المجلس الإسلامي الأعلى، وأثار زوبعة لم تهدأ رياحها بعد.
من حق أي مواطن يضمر الخير لهذا البلد أن يطالب بدعم الظواهر الإيجابية التي تجلب الأمن والاستقرار، كما أن من حقه في المقابل أن يتوجس خيفة من كل ظاهرة مريبة تطفو على السطح من شأنها أن تفكك سياج التآلف المتين بين أبناء البحرين، وخصوصا عند مقاربة الأمر بما يجري من نتائج وخيمة إقليميا كان سببها الأول نشوء أشباه هذه الظواهر. لهذا السبب ولأسباب أخرى أكثر وجاهة؛ أهمها إزالة بعض الغموض عن شخصية كانت ومازالت تشغل الرأي العام بإثاراتها منذ نحو 6 أعوام (بدء التجربة البرلمانية في نسختها الأولى العام 2002)، كان لابد من التوقف عند النائب السعيدي بصفته ظاهرة جديدة لم تعهدها البحرين بهذه الصورة، وذلك للتعرف على خلفيات ما يصدره من تصريحات وبيانات نارية لإنصافه أولا، وطمأنة (وربما تحذير) الشارع البحريني من نوازع هذه الظاهرة الذاتية أو «الكواليسية».
بغض النظر عن حاجة من يقف خلف تلك التصريحات إلى تحليل نفسي دقيق من أجل وضع الإصبع على موضع المشكلة تحديدا، فإن نظرة فاحصة للأجواء التي يتحرك منها وفيها النائب (الظاهرة) ستوحي ببعض الأسباب والنتائج الحتمية لها، وهذا على الأقل سيعطي صورة عامة بإمكان المجتمع أن يبني على أساسها تحركا ما لمعرفة كيفية التصرف مع هذه الظاهرة، إذ إن النائب في كل ما يمثله من مشاكسة إعلامية يشكل ظاهرة. والظاهرة إما أن تكون صحية فيدعمها وينجحها المجتمع أو خاطئة بعض الشيء فتُعالَج وتُقوَّم، وإما أن يشكل وجودها خطرا محدقا فتكون جديرة بالمكافحة والاستئصال.
وبالبحث عن الخلفية التي تنتج بيانات بهذا المستوى من الإثارة سنجد أنها تكتنف عدة قناعات، منها ذاتية نابعة من حرص النائب على البلد أو تزلفا لمصالح انتخابية مستدامة أو عقد طائفية أو ربما ثأر شخصي. ومنها رسمية لعناصر متنفذة تعيش في دوائر القرار وتستفيد من النائب في تمرير ما تريد باعتباره بالون اختبار. وفي الوقت الذي يستبعد كثيرون أن تكون بيانات النائب تنقل قناعات كل المحيط الذي يتحدث باسمه، فإنه غير مستبعد أن يتحدث عن قناعات جماعات محدودة مقربة منه لا تمثل محيطه وتجد فيه ضالتها، حتى يصل التخوف حدا أن يكون السعيدي ممرا لقناعات (خارجية) متصلة بأهداف مشتركة تتضح في خطاباته، وهذا ما لا نتمناه.
يبقى للمجتمع البحريني المترابط أن يحصر، بحكومته وفعالياته المجتمعية، هذه الظاهرة ليقيّمها بصورة أدق، ويبحث طرق التعامل مع إيجابها (إن وجد) وسلبها (إن ثبتت مخاطره) بعقلية حريصة على أمن الوطن الذي شبع من التغني بالوحدة الوطنية على مسارح الطائفية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2061 - الأحد 27 أبريل 2008م الموافق 20 ربيع الثاني 1429هـ