كان يوم الخميس الماضي، يوما من أروع الأيام التي عاشتها البلد، لا بالنسبة إلى كل شعب البحرين، بل لفئات سياسية ودينية وبرلمانية وأذناب تتبعهم وأشياع تشايعهم، إذ كان ذلك اليوم وسيكون واحدا من الأيام التي ستؤرخ بماء الذهب كشفا لحقيقة النوايا والمواقف والعلاقات بين أطراف بعينها، لم تخرج مع شديد الأسف عن نوايا الحقد والاقتتال الخفي والتفتيت الطائفي والقادم... الله يستر من القادم!
كان يوما فيه رايات النصر ارتفعت، واستهلت وجوه وابتسمت، واكفهرت أخرى وضجرت، فبان للقاصي والداني ما كان ظاهرا أصلا وازداد بروزا وتألقا... هي ذلك الوجه الحقيقي للسلطة التشريعية في البحرين، ذات النفس الطائفي حينا، والصبياني حينا آخر، واللامسئول في أحيان أخرى، حتى كان سقوط كتلة «الوفاق» في استجواب وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله سقوطا مدويا سقطت معه طائفة كبيرة، وكان انتصار الشيخ انتصارا مظفرا ارتفعت فيه راية طائفة أخرى، لتظهر حقيقة موجعة من خلال عناوين الصحف والقبلات والاحتفالات والاستفزازات وهي: لا عهد لنا صراحة، بالديمقراطية مع شديد الأسف... فهي ليست لنا ونحن لسنا لها، إنما نحن قوم أردنا أن نمثل الديمقراطية، وعمر التطبع... عمره، لا يغلب الطبع، ولن يغلبه.
عموما، هي بشارات خير وبركة لشعب البحرين، الذي ما كان، في غالبيته العظمى، منساقا وراء الخطوط والتيارات والمسارات بشتى أنواعها، التي أفرزت المجتمع فرزا طائفيا ستكون الدولة مسئولة عنه، وسيكون كل نائب مسئولا عنه، وسيكون كل من كتب سطرا في الظلام مسئولا عنه... أقول إن الغالبية العظمى من شعب البحرين، لم تكن لتنتظر خيرا من استجواب مضى وآخر قادم، قدر انتظارها أن تنتهي تلك الاستجوابات والسلام، فهم، وإن كانوا، وأنا معهم، ندرك أهمية تصحيح أخطاء الماضي، وتحديد المواقع والوقائع التي أصابت البلد بمقتل، أو بمرض عضال سيكبر ويكبر يوما بعد يوم لتتأثر ديموغرافيا البلد ويتأثر نسيجها الاجتماعي ويتأثر اقتصادها وتعليمها وإنتاجها ومستقبلها... على رغم أننا نعلم كل ذلك، لكن ما نعلمه بدرجة أكثر دقة، هي تلك الاصطفافات الطائفية التي لم ولن يمكن أن تكون شكلا من أشكال الممارسة الديمقراطية في مجتمع يفخر بأنه الأول في كل شيء: الأول في التعليم... الأول في نسبة المثقفين... الأول على مستوى التاريخ والحضارة والمستقبل... الأول على مستوى الجودة... الأول على مستوى رعاية الفئات الاجتماعية... الأول على مستوى التنمية الاجتماعية... والأول أيضا على مستوى الفنون والمهارات الطائفية.
غالبية شعب البحرين الذي أردنا له أن يفرح ويشارك في يوم الانتصار العظيم بكل فخر واعتزاز، من قبل الطائفة السنية الكريمة، ويقدم التعازي وعبارات «الهارد لك مرة ثانية وتحطه في الثمانية» للطائفة الشيعية الكريمة... غالبيتهم لم يفرح، وإن حاول البعض من الفريق الأول أن يغصب خلق الله على الفرح فلم يظفر، وحاول البعض من الفريق الثاني أن يجبر الناس على تحويل الهزيمة إلى انتصار، فلم يظفر أيضا... لأن الناس يا جماعة، شبعت من الفتنة الطائفية بكل أشكالها وألوانها، حتى وجدتها «منتنة»، واقتنع الآلاف من أهل البلد بأن الأصلح والأبقى أن يظل الناس في صفاء نفس مع بعضهم بعضا، لا أن يسير المجتمع وفقا لبوصلة التيار الذي يقوده... مل الناس، وسئموا هذه الأوضاع، وهم يعيشون كل يوم في جوع... نعم جوع! هل منا من لم يدرك معنى هذه المفردة بعد؟
غالبية شعب البحرين، ليسوا مكترثين للصوص والحرامية والمفسدين في الوطن، ولم يعودوا يكترثون لمن شمر عن ساعديه معلنا الحرب على من يعبث بأمن البلد ومال البلد واستقرار البلد، لكنهم ينتظرون أن تنتهي كل هذه المسرحيات، ولعل الطريق قد بدأ في الوضوح... لعلهم ولعلنا اليوم، ننتظر بفارغ الصبر أن ينتهي استجواب وزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب، منتصرا مظفرا معززا مكرما (تحقيقا للتوازن المفروض الذي تعرفونه) حتى تبدأ الحكومة في إعادة النظر... كل النظر في أوضاعنا كمواطنين: «نبغي سكن، نبغي فلوس ورواتب مجزية... نبغي أدوية أسعارها معقولة... نبغي تعليم متطور... نبغي ندحر الغلاء الفاحش... نبغي نسمم الطائفية ونفتك... نبغي أحد يؤدب المتنفذين بالقانون... نبغي نعيش... والله العظيم نبغي نعيش»!
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2060 - السبت 26 أبريل 2008م الموافق 19 ربيع الثاني 1429هـ