مع اشتداد المجابهة بين المدافعين العراقيين وقوات العدوان الاميركي/ البريطاني حول أم قصر والبصرة والناصرية والفاو وعدم حصول تمرد عسكري/ مدني عراقي، كما توقعت الادارة الاميركية، برز تساؤل جاد عن العدوان الاميركي/ البريطاني ونتائجه.
اتفق المحللون السياسيون ان العراقيين احدثوا مفاجأة عسكرية، ليس فقط بصمودهم بل وبأخذ زمام المبادرة والقيام بهجمات مضادة، وهذا؛ مع فشل الادارة الاميركية في الحصول على موافقة تركية على الدخول من شمال العراق "كردستان" باتجاه بغداد، فرض على الادارة الاميركية إعادة نظر في تقديراتها للفترة الزمنية التي سيستغرقها العدوان الاميركي، ما قاد إلى الحد من توقعات اركان الادارة بتحقيق نصر سريع وحاسم.
اربك هذا التغير الصورة الذهنية عن الحرب "العدوان" التي حاولت الادارة الاميركية زرعها في اذهان الرأي العام الاميركي والعالمي، وأفقدها الصدقية وغرس بذور الشك في نفوس جنودها وضباطها في ساحة المعركة.
طرحت هذه المفاجأة العراقية اسئلة عن مستقبل العدوان وترتباته العربية والدولية، خصوصا بعد اتساع الفجوة بين مواقف المعارضة العراقية، الاسلامية خصوصا، والادارة الاميركية عن العدوان ومستقبل الدولة العراقية في ظل الاحتلال الاميركي المتوقع، ناهيك عن افتقاد العدوان الاميركي إلى غطاء دولي، وهذا افقد الادارة الاميركية فرصة استنساخ التجربة الافغانية بالارتكاز إلى رأس حربة محلي يتلقى - بالنيابة عنها - الضربات، وتحمل الخسائر البشرية، ويوفر لها فرصة التخلص من الضغط الداخلي بسبب سقوط خسائر بشرية.
لقد تحولت الحرب "العدوان" الاميركية في العراق إلى محطة اساسية في تحديد مستقبل النظام الدولي والعلاقة بين الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى في العالم وأثرها في تحديد شكل النظام الدولي والقانون الذي سيحكمه، ناهيك عن استمراره واستقراره. فإطالة أمد الحرب وإلحاق خسائر بشرية بالمعتدين بالتوازي مع استمرار التحرك الدولي في تعرية الموقف الاميركي غير القانوني "الدعوة الروسية" وتعميق القناعة الدولية في عدم شرعية العدوان، وقيام وسائل الاعلام بنقل صور الدمار والقتل الذي تلحقه القوات الاميركية بالمدنيين العراقيين والسعي إلى تقييد حركة الادارة الاميركية في العراق بعد انتهاء العدوان وتكريس الأمم المتحدة - مرجعا وحيدا - لاتخاذ القرار بشأن مستقبل العراق "الدعوة الفرنسية"، واستمرار نزول القوى السياسية والاجتماعية والمدنية المعارضة للعدوان إلى الشوارع، سيجعل الادارة الاميركية التي تمتلك فرصة تحقيق نصر عسكرية في نهاية المطاف، بفعل اختلال ميزان القوى والفجوة التقنية بين الطرفين، عاجزة عن تحويل نصرها العسكري إلى نصر سياسي محلي ودولي، والعمل على تصعيد التناقضات بين الادارة الاميركية والمجتمع الاميركي، وبين "الصقور" و"الحمائم" داخل الادارة، وخصوصا بعد ان بدأت الحملة الداخلية ضد الصقور "الحملة ضد ريتشارد بيرل" التي تبشر بيقظة اميركية بعد الحذر الذي اصاب الكثيرين أمام وعود النصر السريع والحاسم.
لقد غدا صمود المدافعين العراقيين - على رغم ما سيتكبده الشعب العراقي من خسائر مادية وبشرية، وإلحاق خسائر بشرية بالمعتدين الاميركيين والبريطانيين - حاجة مصيرية للنظامين العربي والدولي؛ لأن افشال العدوان الاميركي على العراق أو منع الادارة الاميركية من تحويل نصرها العسكري المتوقع إلى نصر سياسي ضرورة عربية ودولية، فالدول العربية تكسب - في حال فشل العدوان - فرصة التحرر من وطأة الهيمنة الاميركية على ارادتها وحريتها السياسية والاقتصادية، ودول العالم تكسب فرصة توجه النظام الدولي إلى نظام تعددي بعد سقوط الخيار الامبراطوري الاميركي بالسيطرة على النظام الدولي. وهذا يستدعي كشف الهدف الاستعماري العدواني الذي تجسد في رفع علم الولايات المتحدة على ميناء أم قصر، ونقل مجريات العدوان بشكل موسع، واستمرار نزول القوى السياسية والاجتماعية العربية والعالمية إلى الشوارع بالاضافة إلى التحرك الدبلوماسي والسياسي العربي والدولي لمنع واشنطن من تحقيق مكاسب سياسية، مثل: اسباغ الشرعية على العدوان، وادانة الوحشية الاميركية، ونقل صورها إلى العالم
العدد 206 - الأحد 30 مارس 2003م الموافق 26 محرم 1424هـ