هذا المقال لا يدعي كاتبه أنه أول أو آخر من يكتب عن هذا الموضوع الشيق بل المقال هو مساهمة بسيطة ومتواضعة لرفع الفهم القانوني العام حول هذه المحكمة، لذلك يتحدث المقال وبشكل مختصر عن هذه المحكمة مالها وما عليها وهل يمكن توظيف مخرجاتها للصالح المحلي على مستوى كل الدول دون تفرقة وكذلك يعطي الرأي القانوني عن هذه المحكمة التي تشكلت وولدت ورأت النور وأصبح الكل يعمل لها ألف حساب من الأفراد، المنظمات والدول، لذلك هذه المحكمة المهمة جدا في حياة البشرية جمعاء بل قل في حياة كل فرد يتنفس الهواء في أية بقعة على وجه المعمورة سواء كان في أدغال افريقيا، في جبال الهملاياء أم في أوروبا، أميركا، اليابان والعالم المتقدم صناعيا واجتماعيا وحضاريا، إذ هي تطور يحسب لصالح البشرية كلها بلا استثناء في سياق تطور الإنسان من حياة الانفراد والانعزال والتشتت والتيه والبداوة والتنقل والترحال، لحياة تأسيس القبيلة والقرية والمدينة والدولة والمنظمات المجتمعية المحلية والدولية الخ وهذه المحكمة انبثقت مباشرة بعد مؤتمر روما في جمهورية إيطاليا الذي انعقد بتاريخ 17 يوليو/ تموز 1998 على رغم رفض الكثير من الدول الكبرى والصغرى (أقصد هنا الدول ذات الماضي الاستعماري والتي لا زالت تحمل نزعة عدوانية) لهذا المؤتمر ومعارضتها لفكرته وتقوم فكرة المحكمة على خلق آلية بموجبها يتم ملاحقة والقبض ومعاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من (المعتدين - The Victim) بأن هناك جهة في العالم المتحضر معروفة للجميع على المستوى المحلي والدولي ستقوم بملاحقة ومعاقبة هذه النوعية من البشر ذوي النفوس المريضة التي تستغل وضعها الوظيفي أو منصبها في دولها لإشباع رغبتها في التعالي والتشفي والانتقام من الآخرين (نعني الذين يختلفون معهم في الرآي، في الدين، في التوجه الخ) دون وجه حق لذلك فإن وجود هذه المحكمة ليس بالضروري يمنع من وقوع مثل هذه الجرائم (نخص بالذكر الجرائم المسجلة في دفاتر المحاكم، ومراكز الشرطة، النيابة العامة في الدول التي تأخذ بنظام النيابة العامة، من دون تلك الجرائم التي لا يبلغ عنها إما لجهل الضحية بحقوقه أو للخوف من عقاب يكون أكثر غلظة يقع عليه لوحده أو على أهله من قبل المتنفذين في الدول الغير دستورية إذا اخبر المعتدى عليه عن تلك الجريمة أو من الفضيحة خصوصا في البيئات الاجتماعية شديدة الارتباط والتواصل الاجتماعي في القرى والأرياف على سبيل المثال لا الحصر في صعيد مصر وجنوب العراق، والسعودية، والدول الخليجية وبعض الدول العربية، الإسلامية والإفريقية) لكن الملاحقة بالتأكيد سيحد منها ويقلصها (أي الانتهاكات)، مع مرور الوقت خصوصا إذا علم (الجانب Aggressor) أنه في يوم ما وفي مكان ما ستطاله يد العدالة وتحاصره داخليا في نفسه حيث يخاف السفر للخارج وإذا سافر ربما يتم الوشاية به وتسليمه للمحكمة وهذا الخوف والإحساس بحد ذاته عقاب لأمثال هؤلاء الأوغاد (وهنا نتكلم عن العدالة الوضعية التي وضعها بني البشر في طور التطور الإنساني غير تلك العدالة إلهية التي يقينا ستطاله عند وفاته) بعيدا عن الحماية التي ربما يكون يتمتع بها الآن داخل دولته التي هي ذاتها ستكون تحت المراقبة والمسائلة المستمرة من قبل العالم المتحضر ومنظماته المدنية والحقوقية وهي كثيرة في جميع بقاع العالم نورد بعضها على سبيل المثال (العفو الدولية ومقرها لندن عاصمة المملكة المتحدة + مراقبة حقوق الإنسان ومقرها واشنطن عاصمة جمهورية الولايات المتحدة) نحن هنا ذكرنا هاتين المنظمتين حصريا، وقد يسأل سائل لماذا؟، لكونهما يتواجدان في دولتين لهما صيت على الساحة الدولية بالإضافة لكونهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وفي الوقت الحالي يلعبان دورا محوريا في جميع القرارات الدولية وهذا واضح لكل مراقب لما يجري عالميا، علما بأن هذه المحكمة التي يدور حولها المقال تتشكل حاليا من (18 قاضيا مختلفي الجنسية) من مختلف بقاع المعمورة ينتخبون لمدة 9 سنوات والمحكمة تشرف عليها جمعية عمومية مكونة من الدول الموقعة على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة، ووافقت (الأمم المتحدة على تأسيسها بأغلبية (120) صوتا ضد (7) أصوات وامتناع (21) عن التصويت، وقد أوردت المحكمة حصرا لاختصاصها القضائي في ملاحقة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم ضد البشرية حيث شملت اختصاصاتها ما يلي من الجرائم (جرائم الإبادة الجماعية - Committing Genocide) + (جرائم العدوان - Aggressions Crimes) + (جرائم الحرب - War Crimes) هذه الجرائم المذكورة أعلاه الآن ترتكب داخل بعض الدول التي لم توقع هذه المعاهدة أو حتى في تلك الموقعة عليها اعتمادا على السكينة في الساحة الدولية أو على عدم الإبلاغ عن تلك الجرائم والانتهاكات سوى في وسائل الأعلام المحلية أو الدولية لحاجة في نفس يعقوب أو على مساندة بعض الدول الكبرى ذات النزعة العدوانية كما أسلفنا دون خشية هذه الدول الصغيرة (مثل الكيان الصهيوني) وبعض أفرادها من العقاب ويتم التستر على تلك الجرائم من قبل بعض الحكومات ومن بعض المنظمات التي تلبس لباس المنظمات المدنية أو الحقوقية وهي في الواقع المعاش تحت عباية حكومات أقل ما يقال عنها بأنها حكومات قمعية واستبدادية ولا يتم جبر ضرر تلك الجرائم ويبقى المعتدون طليقين وأحرار يتمتعون بكامل الحرية في التنقل الداخلي وخلافه دون الخوف من أية ملاحقة أو عقاب، لكن هذا الوضع بالتأكيد سوف لن يستمر طويلا بتضافر جهود المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الداخل والخارج والتي أخذت على عاتقها وبدون مقابل توعية المجتمع بحقوقه الدستورية التي تمنحها أياه دساتيره الوطنية أو الدساتير العالمية وعملت على حصر تلك المخالفات وتدوين وعمل إحصاءات وتقارير عن تلك الجرائم وتورايخها وأطرافها وترحيلها أو نقلها بطريقة أو أخرى لخارج بلدانها خصوصا في الدول التي يتعرض فيها بعض المواطنين للتمييز والاضطهاد الغير دستوري إما بسبب (الدين، اللغة أو الجنس) لمعاملة قاسية تحط من كرامتهم وإنسانيتهم، وحتى تستطيع هذه المحكمة (ICC) من ممارسة عملها المنوط بها لابد من تقديم الدولة أو مجلس الأمن طلب للمدعي العام بهذه المحكمة ليباشر في التحقيق في الواقعة المراد التحقيق فيها، وعلى المدعي العام تقديم مذكرة شارحة وبشكل وافي للواقعة إلى هيئة المحكمة لتقوم هيئة المحكمة بدراستها وتقدير قبول أو رفض القضية المعروضة من قبل المدعي العام.
استقلالية المحكمة الجزائية الدولية
هذه المحكمة تختلف من جميع الأوجه عن تلك الموجودة في لاهاي بهولندا والمسماة (محكمة العدل الدولية) التي تختص كما يعلم الكثير من المهتمين بالشأن القانوني والحقوقي بالنزاعات الدولية والتي تقع بين الدول في مسائل ترسيم الحدود الدولية البرية والبحرية، النهرية وملكية الجرف القاري المقابل لكل دولة وحقوق الصيد البحري، التنقيب والطيران الدوليين الخ) ومع ذلك فإن المحكمتين تشتركان في مهمة واحدة وهي إحقاق الحق وفقا للقوانين الدولية المتفق عليها حاليا، لذلك نجد أن هذه المحكمة أي (المحكمة الجزائية الدولية) التي تختص كما أسلفنا بالنزاعات بين الدول والأفراد من رعاياها أو رعايا غيرها من الدول مستقلة عن الدول المشتركة في معاهدة تكوينها من عدة وجوه كما يلي تفصيلا:
-1 المحكمة الجزائية مستقلة عن الأمم المتحدة.
-2 المحكمة الجزائية يمكنها قبول إعانات من الأمم لكن الأمم المتحدة غير ملزمة بتمويلها وتمويل عملياتها تباعا.
-3 يتم تمويل هذه المحكمة عن طريق اشتراكات الأطراف الموقعة على معاهدة تأسيسها حسب (الفقرة أ م 115).
-4 المادة (115) من معاهدة إنشاء هذه المحكمة تنص على أن تكون مساهمات الأمم المتحدة المالية تتم بموافقة أغلبية أعضاء الجمعية العامة.
-5 المادة 116 من معاهدة هذا المحكمة تكفلت بأمور المساهمات التي يقدمها الأشخاص والشركات والحكومات والمنظمات الحقوقية.
الاختصاص القضائي لمحكمة الجزاء الدولية:-
-1 تنص المادة (89) (على الدول المكونة لهذه المحكمة أن تمتثل لطلبات المحكمة وإلى الإجراءات المنصوص عليها في قوانينها)، وهذا يعني بأن قرارات المحكمة لا تعلو على القوانين الوطنية أوالمحلية وهذا ما يتضح في نص (المادة رقم 98 ف 1) التي يقول نصها ما يلي (لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب يقتضي من الدولة العضو الموجه إليها أن تتصرف على نحو يخالف التزاماتها بموجب القانون الدولي بالنسبة إلى حصانة الدولة، الحصانة الدبلوماسية لشخص، أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة ما لم تستطع المحكمة أن تحصل أولا على تعاون تلك الدولة الثالثة من أجل التنازل عن الحصانة) وكما تلاحظ فأن هذه المادة تقلص صلاحيات المحكمة.
-2 تنص المادة (17 ف 1) على ما يلي تقرر المحكمة قبول أو عدم قبول الدعوى المعروضة عليها في حال تأكد لديها بأن التحقيق في الدعوى المعروضة قد تم من قبل دولة صاحبة ولاية على تلك الدعوى وأطرافها (كأن يكون أحد المتداعين من رعايها أو أن الجريمة وقعت داخل حدودها أو في إقليم يتبع لها إداريا الخ)، وأن تلك الدولة خلصت لعدم مقاضاة الشخص المعني، شريطة أن لا يكون ذلك القرار ناتجا عن عدم رغبة تلك الدولة صاحبة الولاية في المقاضاة أوعدم قدرتها على ناحية عملية على مقاضاة ذلك الشخص. وللمحكمة أن تتأكد من عدم جدية الدولة صاحبة الولاية عبر عدة أمور منها على سبيل المثال (هل تمت ملاحقة الشخص المطلوب للعدالة ضمن حدود اختصاص المحاكم الوطنية أم ماذا؟ وهل هناك تأخير في تقديم الشخص المطلوب للعدالة وإن هذا التأخير له مبرر من عدمه، وهل فعلا تم عمل تحقيق مستقل مع الشخص المطلوب للعدالة أم لا؟)
-3 تنص المادة (17 ف 2) على ما يلي (إذا تمت محاكمة الشخص في المحاكم الوطنية عن جرائم تختص بها محكمة الجزاء الدولية فإن الفهم يؤدي لعدم نظرها من قبل هذه المحكمة) وهذا يعني عدم قدرة هذه المحكمة بفرض ولائها القضائي على القوانين المحلية بعكس المحاكم الخاصة التي ينشئها مجلس الأمن الدولي لمعالجة موضوعات وفظاعات تحدث في مختلف مناطق العالم بين الفينة والآخرى.
-4 المادة (10) تنص على مايلي (تستلهم هذه المحكمة تطبيق قوانينها في المجال القضائي الدولي من (4) مصادر نصت عليها المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية وهي (العرف الدولي، السوابق القضائية المحلية، قواعد قانونية عامة، المعاهدات الدولية).
رأي قانوني عن إمكان الاستفادة من وجود هذه المحكمة في تطبيق العدالة محليا ودوليا
نحن نعتقد بأنه على المستوى المحلي لآي دولة من الدول من دون تخصيص لا يوجد تعارض بين القوانين المحلية وقوانين هذه المحكمة التي عمل مشرعيها على جعل قوانينها تتمشى والقوانين الوطنية وبالتالي يمكن الإستفادة ولو بشكل بسيط من وجود هذه المحكمة عبر قيام المتخاصمين او المتداعيين بعد التأكد من عضوية بلدهم في هذه المحكمة واستنفاد كل الطرق القانونية المتبعة محليا دون تحقيق العدالة من ترحيل الدعاوى التي انتهت منها المحاكم الوطنية دون تحقيق للعدالة في إعطاء كل ذي حق حقه خصوصا إذا كان الاختصاص بين إنسان عادي أي فرد في المجتمع إنسان طبيعي وهو كما عرفته المادة (9) من مرسوم بقانون (19) لسنة 2001 بإصدار القانون المدني البحريني الصادر بتاريخ 3 مايو/ أيار 2001 التي نصت على (ان شخصية الإنسان تبدأ بتمام ولادته حيا، وتنتهي بوفاته، مع مرعاة ما يقضي به القانون في شأن الحمل المستكن والمفقود والغائب) أو شخص اعتباري وهو كما يلي حسب نص المادة (17) من نفس القانون حيث تقول ما يلي (تثبت الشخصية الاعتبارية لكل مجموعة من الأشخاص أو الأموال ويعترف لها القانون بهذه الشخصية) واحد المتنفذين (أصحاب النفوذ مثل رؤساء الشركات الخاصة الكبيرة أو شبه الحكومية أو من يحتل منصبا كبيرا في الحكومة القائمة في بلده) أو بين الدولة واحد الأفرد، على أن يكون عدم تحقيق العدالة المنشودة راجع إما لسبب سياسي أو لضغوط داخلية أو خارجية أو لقصور في تطبيق إجراءات التحاكم في مرحلة الاختصام الابتدائية او في مرحلة تنفيذ الأحكام النهائية تطبيقا للقانون المحلي، كذلك على المستوى الدولي وحماية لمصالح الأفراد والدول نرى ومن الأفضل أن تسارع الدول التي لم تنضم لهذه المحكمة في الإسراع لتقييد عضويتها فيها لآن هذا سوف يظهر عدم خوف هذه الدول من النعت بعدم مجاراة قوانينها المحلية لما هو متعارف عليه قضائيا على المستوى العالمي ويزيد الثقة في قوانينها المحلية في عين المتقاضين او المستثمرين الوطنيين أو نظرائهم من الأجانب الذين سيطمئنون للقوانين المحلية ويجازفون في الاستثمار في دول غير دولهم مما يساهم في رفع وتيرة التنمية وتقليل مشكلات البطالة التي تعاني منها معظم دول العالم وهذا ما تسعى له كل الدول وحصول هذا الأمر يؤدي بأن تسود العدالة على الساحة الدولية دون النظر لانتماءات المتخاصمين سواء كانوا ينتمون لدول صغيرة أو كبيرة مستقلة أو تحت الوصاية أو تتمتع بالحكم الذاتي لأن العدالة لا تتجزاء لا محليا ولا دوليا خصوصا إذا كانت الدعوى فيها خصمان أحدهم ينتمي لدولة صغرى والأخر ينتمي للكبرى، المقال أعتمد في بعض أجزائه على مقالات سابقة منسوبة لبعض المختصين من خارج القطر والنظام الأساسي لذات المحكمة وصفحات الإنترنت المفتوحة.
إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "العدد 2059 - الجمعة 25 أبريل 2008م الموافق 18 ربيع الثاني 1429هـ