العدد 2059 - الجمعة 25 أبريل 2008م الموافق 18 ربيع الثاني 1429هـ

الضجيج المفتعل لصالح من يا ترى؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

الضجيج المفتعل وليس الضجة المفتعلة التي نتعرض لها بين الحين والآخر والتي نصحو على إيقاعها ونكاد نعتاد عليها في كل موقف من شأنه أن يثير فتنا لا تمحو مع الزمن وجروح لا تلتئم في جسم الوطن، نقف عندها مضطرين لتحليلها على رغم مرارتها، نضع أيدينا على بعض من حروفها وكلماتها، ونسأل أنفسنا ونكرر السؤال وننتظر الجواب، فلا نجد جوابا لا نسمع حينها سوى الصدى، نضطر حينها أن نصدح بها من جديد، ونطرحها بأسلوب يختلف عن الأسلوب الذي نستخدمه لأنفسنا، لأن جزءا من السؤال استنكار وتعجب إلى جانب استفهام، بطبيعة الحال، والسؤال هو: لصالح من يكون الضجيج المفتعل؟ ولماذا؟ ما الثمن؟ وهل نحن بحاجة بالفعل إلى ضجيج؟ هل يعد الضجيج أحد أولوياتنا لكي نصر عليه؟ فما استغربه فعلا كونهم يحسبون أنفسهم وللأسف الشديد وطنيين ويحرصون على مصلحة الوطن - وهذا ما نفهمه من كلامهم وتصريحاتهم - فإذا كانوا فعلا صادقين مع أنفسهم ومخلصين بالفعل لوطنهم، السؤال يطرح نفسه: هل الوطن بحاجة منا إلى إحداث ضجيج؟ وهل نحتاج إلى إفتعال ضجة أصلا؟ وهل القضايا الوطنية التي يرغبون في إصلاحها، لا تحل إلا بالضجيج؟

الغريب أنهم ينكرون ويتنكرون كل ما هو حقيقة على الأرض كنكرانهم سابقا للتقرير المثير ولأبطاله، ولقضية المؤامرة الإقصائية، ويصرون على المغالطات والمزيدات.

أصبح من الطبيعي أن يشعروا بالغيرة من كل وطني مخلص، وجريء يدفع بالقضايا الوطنية، بجرأته وشجاعته بغرض حلحلتها لا بغرض إفتعالها، في المقابل يواجه مواجهة ضروس لا ترحم، ويتهم باتهامات لا أول لها ولا آخر، بل لا يكفيهم ذلك بل امتدت ألسنتهم إلى ما هو أبعد من ذلك، وصلت بهم الوقاحة لضرب تيار بأسره ومناكفة رموزه العلمائية، بحجة الرد على فلان أو علان لكونه محسوب على ذلك التيار جرأة ما بعدها جرأة.

لا جديد في الموضوع سوى التحليل والتعقيب ثم التحليل والقراءة، الكل يعرف بلا مغالطات لا معنى لها بأن النظام لجأ إلى التجنيس مؤخرا بصورة جنونية بشعة لأهداف سياسية، كما أنه عمد لتغيير التركيبة السكانية أيضا لأهداف سياسية، ولعل خير دليل على ذلك الظرف السياسي الذي لجأ فيه النظام إلى التجنيس.

ثم ان مشروع التجنيس السياسي يحمل بين أحشائه أهداف طائفية تبث سمومها إلى طوائف البحرين جميعها بلا استثناء سنة وشيعة، مشروع استورد من الخارج بعد أن جرب في العراق ولبنان ونجح المشروع وبانت نتائجه واضحة للعيان، جاء به النظام في وضح النهار؛ ليقلب به الهرم السكاني من أكثرية شيعية إلى أقلية، والنتائج جلية لا مزايدات فيها ففي السابق كان الحكم يميز السني على الشيعي وضمن حينها حيادهم لفترة من الزمن، واستمرت آثاره إلى الآن، ولكن شاءت الظروف والأحوال السياسية إلى تغير في الأوضاع، ففي الوقت الراهن فإن المجنس يميز في الكثير من الأحيان على كل من السني والشيعي، وبدلا من وقوف البحرينيين سنة وشيعة أمام التوجهات الرسمية التي من شأنها أن تحدث إرباكات كثيرة على الساحة السياسية وعلى النسيج الاجتماعي، لكون الجميع اليوم متضررين من التجنيس السياسي على كافة الأصعدة، بل لا نبالغ إذا قلنا ان الضرر اليوم أكبر للعوائل السنية التي تجاور المجنسين في الكثير من الأحياء السكانية، نقول فبدلا من التقارب لكون الأهداف واحدة والمصير واحد، نجد بان هناك اصطفافا طائفيا غير عقلاني لمواجهة من يقول الحق، لأنه باختصار شديد تعودت بعض العوائل السنية على السكوت وعدم الجهر بالحق، أو المواجهة، فهي في الكثير من الأحيان مسيرة، بعد أن نجحت الحكومة ذات يوم من شراء إرداتها عندما كانت بحاجة إليها وكانت يومها ملبية جميع حاجاتها، حتى اعتادت على الخنوع، اليوم الواقع تغير وتبدل كثيرا ووقع ضرر كبير على هذه العوائل ونستطيع أن نقول ان معاناتهم لا تقل عن معاناة العوائل الشيعية بل تزيد لكونهم باختصار شديد اعتادوا على الدلال واليوم حرموا من الكثير من الامتيازات وراحت إلى المجنسين.

ما يحز في النفس فعلا أن بعض الجهلاء منهم بدلا من التعبير عن استيائهم وامتعاضهم من سوء الأوضاع وانحدارها، ومحاولة البحث عن الحلول لمشكلاتها نجدهم يوالون النظام ويدافعون عنه وعن أخطائه، ويهاجمون المعارضة لكونها تفتح الجبهات وتكاشف وتطالب فهي تفتح الجراح ليس بغرض إحداث آلام ونزيف، بل لإيجاد العلاج والدواء، لا غرابة في الأمر فما يعمله النظام حاليا يمثل ديدن الأنظمة، اذ يجعل المواطنين يواجهون بعضهم البعض ويكرهون بعضهم ويخلقون مع بعضهم اختلافات تفرقهم ولا تجمعهم، ويخرج النظام من القضية مثل الشعرة من العجينة، الأمثلة كثيرة ولكن من الممكن الاستشهاد على الأقل بورقة «الوفاق» في مؤتمر الحوار الوطني، لكونها استغلت إعلاميا أبشع استغلال من قبل بعض المؤسسات الإعلامية التي تأسست بنفس طائفي بغيض، ولمحاربة المصلحين، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى مؤسسات تساهم في دفع عجلة الإصلاحات الوطنية.

فقد تمت مواجهتها من قبل بعض الموتورين، والذين يعيشون حالة نفسانية صعبة، يصعب عليهم التكيف مع أنفسهم فما بالهم مع الطرح الوطني، وأسلوب المكاشفة والمصارحة الوطنية، والشفافية التي يجب ألا تخلو منها أجندتنا السياسية منها وغير السياسية، جاءوا لحرف البوصلة وطالبوا بسحب ورقة الوفاق لكونها تضمنت أرقاما وحقائق بشعة عرت النظام، بينت بشاعة الطائفية والتمييز في البلد، فالوفاق تستحق منا وقتها إلى تصفيق حاد، وجاء البعض ليشوش، وليحدث هزات أرضية لتحريك القناعات.

ورقة الوفاق التي اتهمت بأنها قنبلة طائفية موقوتة من قبل البعض، وبأنها نسفت المؤتمر لكونها استوعبت كل القضايا المسكوت عنها والتي يجب أن تثار، وعبرت عنها بحروف وكلمات مدونة، في حين أن الواقع لا يمكن تلخيص قضاياه في ورقة تلقى في مؤتمر لمدة نصف ساعة.

ومع ذلك الوفاق مدانة، لكونها شاركت وتحدثت بصراحة وطنية - كعادتها - في الوقت التي كان هناك بعضا من الجمهور المتلقي غير واعي، وموجه بإرادة حكومية من الدرجة الأولى، ولا يحمل هما وطنيا، لكون مصالحة الشخصية على خير ما يرام، ويحظى بالكثير من الامتيازات ولا شيء قد يسيء إليه أو إلى وضعه فلديه ما يكفيه.

في حين أن الوفاق لا تخشى شيئا، واختارت طريق ذات الشوك، فهي ترى أن هناك شرائح من المسحوقين والمعدمين يستحقون الوقوف إلى جانبهم، وبالتالي بحاجة إلى القول بالحقيقة مهما كان الثمن، ومهما وصفت أو قيل عنها، وترى بأن المشكلة لا يمكن السكوت عنها فهي لا تبحث عن إرضاء أطراف حكومية تكره الإصلاح وتبحث عن الثغرات لتنخر فيها وتنفخ بسموم الطائفية لتلوث الأجواء الوطنية وتجلس هي على التل ترى نتيجة الغلطة السحرية التي تستخدمها.

الوفاق ترى بأن القضايا السياسية لا يمكن حلها بالتستر عليها أو بالمجاملة، ولكنها تأخذ طريقها إلى الحل عندما تواجه، وبدورها تستغل الفعاليات الوطنية باستمرار لتطرح ما لديها من رؤى وطنية رغبة منها في حلحلة القضايا الوطنية المؤرقة، تاركة وراء ظهرها الغربان تنعق بما لديها من خرافات وخزعبلات سياسية أنتهت مدتها، وأكل عليها الزمن وشرب.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2059 - الجمعة 25 أبريل 2008م الموافق 18 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً