عندما جهرت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في مؤتمر الحوار الوطني الثاني في الأسابيع القليلة الماضية، وعبرت عن التمييز الحاصل في البلد وتكلمت عن التهميش الواقع على الطائفة الشيعية وعبرت عنه بأرقام لا تكذب، خرجت علينا ثلة من الطارئين على الوضع السياسي بعد أن خرجوا من جحورهم، ليقولوا ما قالوه ولأسمعونا ما سمعناه، وليقرأ البقية الباقية ما قرأوه عبر الصحافة، من اتهامات، وانتقادات لا موقع لها من الإعراب، فهو بمثابة الهذيان، يضر صاحبه ويضحك من حوله، بل يجعل من حوله يشعر بالشفقة عليه ويظل الشعور مستمرا إلى أن يتشافى من مرضه ويرجع إلى حاله الطبيعية.
طبعا «الوفاق» أو غيرها من الجمعيات السياسية المعارضة إذا جهرت وقالت الحقيقة يخرج عليها أصحاب الأمراض النفسية لمواجهتها لكونها هي الأخرى تجرأت على قول الحقيقة، فعقابها أن تنال الألم من الموتورين الخارجين من الجحور، ولكن السؤال: هل يستحق الأجنبي أيضا أن نقف له بالمرصاد لكونه هو الآخر عبر عنا بجرأة وبلا مواربة ووضع يده على الجرح، وعبر عنا بشفافية وبصراحة، أم أن أميركا وبريطانيا وهولندا لهم «الحشيمة» والاحترام لكونهم ماركة خارجية؟
فالمتابعون للساحة السياسية والحقوقية تحديدا عرفوا من خلال متابعاتهم أن أهم الانتقادات التي وجهتها الدول الغربية التي تصدرتها أميركا وبريطانيا وهولندا، لسجل البحرين في تقريرها الوطني الأول لحقوق الإنسان ضمن الاستعراض الدوري الشامل جاءت: «مطالبة الحكومة البحرينية بخطوات لإدماج الشيعة في نظام الدولة، منع التمييز عموما والتمييز ضد المرأة خصوصا، إعادة النظر في الدوائر الانتخابية لموازنة عدد الناخبين بممثليهم، الالتزام بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أثناء مكافحة الأعمال الإرهابية، الموافقة على آليات الأمم المتحدة من دون أي تحفظات، السماح بزيارات خبراء لجان حقوق الإنسان، حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، كفالة حرية التعبير وحرية التجمعات، واستقلالية القضاء».
وقال سيدهادي الموسوي مقدم ورقة «الوفاق» في المؤتمر الوطني الثاني والمعنونة بـ «المواطنة والطائفية وأثرهما على المشاريع الوطنية»، في بداية حديثه «إن الحكومة الأخيرة التي تشكلت في ديسمبر/ كانون الأول 2006، مثِّلت الطائفة الشيعة فيها بأربعة مناصب وزارية فقط؛ متمثلة في نزار البحارنة، المقرب إلى (جمعية الوفاق)، إذ عين وزير الدولة للشئون الخارجية، ومجيد العلوي وزير العمل، وعبدالحسين ميرزا وزير شئون النفط والغاز، وهو أول وزير بحريني من أصل إيراني. ولأول مرة في تاريخ البحرين يشغل شيعي، هو جواد سالم العريض، منصب نائب رئيس الوزراء».
ويتضح من خلال الفقرة السابقة أن التوصية التي جاءت بها «الوفاق»، والتي لقيت هجوما من قبل المنعوتين بالتأجيج الطائفي كانت في مكانها، بدليل تلمسها من قبل الدول الغربية التي انتقدت الأوضاع الحقوقية في البحرين، ودعتهم إلى خطوات أكبر في دمج الشيعة في نظام الدولة في إشارة لافتة إلى أن هناك تقصيرا وتلكؤا من الحكم تجاه تلك المسألة، في حين أن البعض قرأها بشكل معكوس، رغبة منه في تجريح الجمعية، وتشتيت مواقفها الوطنية.
وفيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة، أشارت «الوفاق» في ورقتها إلى أن نسبة المرأة العاملة في القوة العاملة البحرينية تمثل 26 في المئة مقابل 74 في المئة بالنسبة إلى الرجل، فيما تتقلد المرأة 7 في المئة من الوظائف العليا في المملكة مقابل 93 في المئة للرجل.
أما بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية، إذ اتجهت السلطة حديثا إلى تقنين التمييز، فلعل أبرز مثال على ذلك هو توزيع الدوائر الانتخابية؛ لضمان غالبية في التمثيل السني. وبهذا فقد حصلت المحافظة الجنوبية قليلة السكان وذات الغالبية السنية على 6 مقاعد، في حين حصلت المحافظة الشمالية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة وغالبية شيعية على 9 مقاعد، بفرق شاسع غير مبرر.
وطالبت «الوفاق» في ورقتها بمجموعة من المطالب مقاربة جدا مع ما جاء به لقاء جنيف ولعل أبرزها: ضرورة أن تقدم الحكومة تقاريرها الحقوقية إلى لجنة مناهضة التمييز، حتى وإن كانت قوانين الأمم المتحدة تسمح بتأجيلها، وينبغي أن تكون ملامسة للواقع ولا تذكر فقط ما هو في الدستور من مواد تمنع التمييز.
على الحكومة إشراك هيئات المجتمع المدني عند صوغها تقاريرها المتعلقة بحقوق الإنسان، ويجب أن تكون هيئة حقوق الإنسان عند تشكيلها ملزمة بقراراتها وليست رقابية تصدر بيانات فقط مع إعادة تنظيم الهيكل القضائي بحيث يحقق الاستقلالية وحاكمية القانون.
نقول - ومن حقنا ذلك - إذا كانت «الوفاق» قد غالت في الوصف والتشخيص وكانت تستحق أن تنتقد وأن تطالب بسحب ورقتها من المؤتمر، فلماذا لم يقل عن الوصف الذي جاءت به أميركا وبريطانيا وهولندا في لقاء جنيف والذي تطابق في الكثير من المفاصل مع ورقة «الوفاق» إنه هو الآخر قنبلة موقوتة؟ ولمَ نخشى على أنفسنا من أميركا لكونها تحمل نوايا من شأنها أن تنسف بحريننا الغالية، أم أن ثقتنا في أميركا أكبر من ثقتنا بـ «الوفاق»، أم أن أميركا تحمل روحا وطنية أكبر مما لدى «الوفاق»؟ أليس الواجب الوطني يحتم علينا أن نطالب الموتورون هذه المرة بأن يخرجوا من جحورهم ليؤدوا واجبهم الوطني كما عودونا عليه، أم أن «التكليف يسقط» هذه المرة عنهم لخاطر عيون الغرب؟
من المؤسف حقا أن تكون هناك دائما ثلة تتربص بـ «الوفاق» والإصلاح، تحاصرهم وتهاجمهم إذا نطقوا الحق، في حين تسلم أمرها، وتقر وتبصم بالعشر إذا كان الكلام أو التوصيف والتشخيص من الخارج، أصبحنا مبتلين «بعقدة الخواجة»، وعقدة الخواجة تضطرنا للتصفيق لأميركا وأتباعها وصب جام غصبنا على التيارات الوطنية التي تحمل همنا وتدافع عنا، وبطبيعة الحال هذه السياسة تجعلنا نرمي بأنفسنا في أحضان الغرب، الذي يشخص أوضاعنا ويضع لنا العلاجات، وعلينا السمع والطاعة، وبذلك نفرض على أنفسنا قيودا جمة. جميل أن نأخذ من الغرب ونتعلم منه، ولكن من البشاعة جدا أن نجعل الغرب بوصلتنا ونضيع من دونها.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ