العدد 2054 - الأحد 20 أبريل 2008م الموافق 13 ربيع الثاني 1429هـ

«مسجات» النواب وفلسفة العمل التشريعي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

ربما هناك معنى آخر يستخدم عاميا لكلمة «البويات» في القرى والمناطق الساحلية ويعرفه البحارة غير المسمى المستهلك للأسف بسفاهة سياسية وقلة وعي برلماني منقطعة النظير. فكلمة «بويات» عادة ما تطلق على الأوعية البلاستيكية الملونة والفارغة التي توضع في عمق البحر لتظل طافحة ومترابطة بشكل متناسق عسى أن ترشد العابرين والمارين إلى حقيقة كون المياه ضحلة، أو تبيّن لهم حدود ملكيات ساحلية خاصة لئلا يقعوا في شرك انتهاكها، وربما تستخدم أيضا لأغراض أخرى لا حصر لها!

وقد لا أجد غضاضة في القول إن «البويات» التي يعرفها أهل البحر ربما تحمل المعنى العامي ذاته المقصود لقضية «البويات» التي يبدو أن السلطة التشريعية قد تورطت فيها أكثر من كونها قد تألقت في معالجتها. وربما يكمن وجه الشبه بين كلتي «البويات» في كون كلتيهما دلالة على خواء وفراغ طافح وإن تلون وكبر حجمه وتناسق بشكل جميل، كما أن «البويات» ترشد إلى المناطق الضحلة سواء في السواحل أو في مجال السلطة التشريعية، بالإضافة إلى حدود الملكيات العامة والخاصة والاختصاصات التشريعية والتنفيذية والإفتائية والأمنية الإجرائية التي تلطخ بها النواب جميعا. وبالمثل تشير «البويات» فيزيائيا إلى جسم وإن كبر حجمه وتلون إلا أنه يظل بسبب خوائه طافحا إلى الأعلى وربما جزء منها ظل لأسباب مجهولة مغمورا في مجال فيزيائي مغاير كالماء!

واقع «البويات» بمختلف المعاني والمضامين في مجال السلطة التشريعية لربما وجد ما يسعفه ويدل على حدود فهمه وإدراكه وتمثله فلسفة العمل البرلماني وطبيعته، وهو ما اعتاد بعض النواب من «حماة الدين والأخلاق» على إرساله في صورة «مسجات» وفيرة إلى المسئولين وأصحاب الشأن والناخبين في البلاد لربما تمثل «حصاد اليوم البرلماني» أو ربما «صيد اليوم البرلماني»!

ومن بين تلك «المسجات» ما أرسلها أحد النواب ونصها يقول: «رصدنا بوية في مدرسة ؟؟؟» أو «هناك بويات في مجمع ***»، ولربما سيكون من الأفضل لو كان هنالك تصوير وثائقي ليعيد لنا ذكريات المغامرات الممتعة للراحل جاك كوستو أو لمخاطرات الراحل ستيف إيروين الملقب بـ «صائد التماسيح»، أو أن تكون هنالك أفلام عن رحلات الرصد والصيد والقنص البرلماني معدة بتقنيات الفيديوكليب الحديثة عسى أن تواكب بذلك الإنجازات البرلمانية!

بالله عليكم هل هذا هو دور السلطة التشريعية؟ وهل تصلح «المسجات» فلسفة للعمل البرلماني؟ ألا يوجد لديهم تشريع هم بصدد إصداره لتحديد أطر المعالجة العملية لهذه القضية؟ هل يظن نواب الشعب أنهم أيضا بمجرد دخولهم الحلبة البرلمانية أصبحوا جميعا نوابا لله في ملكوته والعياذ بالله؟ لو ظنوا ذلك فقد وقعوا في الشرك لإساءتهم إلى خالقهم وملكوته! وهل من دور البرلمان أن يقوم بعمل الدراسات والبحوث المتخصصة في ظاهرة «البويات» بكل أبعادها السيكولوجية والسوسيولوجية والفسيولوجية؟ ألا يمكن إدراج الوعظ والإرشاد والمطالبات والمناجاة ضمن عمل السلطة التشريعية في دركها الأسفل من نار الدستور؟

إن كان قد وصل إليكم سابقا عبر أحد مقالاتنا السابقة خبر إرسال «الصارم البتار» «مسجات» الاعتذار والتودد والتغزل إلى كبار المسئولين عقب كل ملاسنة حادة «اللسان من دون العظم» ربما أوقعت به في البرلمان، فلابد أن تصل إليكم اليوم أخبار النائب «زورو» بلا منازع. فهو يتنكر ويخبئ نصف وجهه بصورة كارتونية مذهلة ليذهب إلى المراكز الأمنية وما وراء الكواليس حينما يتم القبض على المتورطين في قضايا أخلاقية، أو ربما هو «الشريف» وقائد البوليس في أفلام «الوسترن» الأميركية!

وأجزم ويجزم معي أكثر من أخ ويتفق معي في أنه رأى النائب «زورو» متوقفا في مرات عدة بسيارته الخاصة في الكثير والكثير من الأماكن التي تحصل فيها أعمال شغب وتخريب وعنف في أكثر من مرة وفي أكثر من مكان وفي أكثر من زمان وهم يتساءلون عمَّ كان يفعل هنالك؟ هل قد مر بالمصادفة في جميع الحالات أم أنه فقط جلس يتفرج ويشاهد برلمانيا ما هو أفضل إخراجا وإبداعا وحيوية من معارك البرلمان الكارتونية؟

ربما يريد النائب «زورو» أن يكون وسيط سلام مثل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، إلا أنه سيقبل رؤوس المخربين ويقبل رؤوس رجال الأمن إلى أن يصلوا إلى قبلة سواء أو أن النائب «زورو» الذي ما أن يخطر على بالك حتى تجده مكانك قد حبذ وتصور أنه يقوم في ذلك بدور «هند بنت عتبة» ما قبل «غزوة أحد» حينما وقفت تحرض وتشعل صفوف القتال كما صور ذاك الدور ببراعة سينمائية مؤثرة المخرج الراحل مصطفى العقاد في فيلمه «الرسالة»!

أيا كانت النية فسنتركها للنائب وحده. فليس هذا همنا أكثر من همنا تجاه النائب الذي لا يعرف ما هو دوره ووظيفته في الحياة البرلمانية، وعلى رغم أن المثل انطبق على حالته في البرلمان «كبر أمه ولا يطير» فهو قد «عتج» كثيرا في البرلمان من دون أن يضيف إليه ذلك علما وفائدة وخبرة ودراية بأبسط الأمور. فهنالك من النواب من يرى وظيفته المناكفة والمناكدة والمناحسة الطائفية، وآخر يرى أن دور النائب أعاد مجد «الآغوات» و «الباشوات» و «المخاتير» و «أولاد الحارة» وربما تقاطع مع أدوار المحافظين وأدوار رجال الأمن وأدوار رجال قوة الدفاع وأدوار خطباء الجمعة وأدوار أصحاب البقالات و «الخبابيز» وأدوار «الخطَابة» وأدوار وكلاء التموين ووكلاء توزيع «الأنواط اللامعة والخنينة» على الشعب في كل واحة انتخابية في صحراء الإنجازات البرلمانية المترامية الأطراف!

وربما من حق كل ناخب على نائب دائرته أن يحكي له حكاية ما قبل النوم أو «الخمدة» حتى انتهاء أدوار الانعقاد والتعقد البرلمانية، أو أن يكون النائب فارس أحلام باسلا لعروس جميلة هي البحرين فخاب أمر الأخيرة حينها!

ماذا تبقّى بعدها للسلطة التشريعية من عمل طالما أدت «المسجات» والزيارات الميدانية وخطب الوعظ والإرشاد والإفتاء من دون علم وفقاهة وتخصص أساسا في شتى مجالات الحياة؟ أأدت هذه «المسجات» والمناجاة البرلمانية كل الوظائف والاختصاصات؟

أنا أنصح الدولة بأن تستشير الأخ قائد الثورة في هذا الشأن فلربما أشار لها بأن تلغي جميع المجالس المنتخبة والمعينة تشريعيا وبلديا وتحصرها في زاوية أربعين عضوا لمجلس واحد هو «مجلس الخدمة العامة» ليؤدي هذا المجلس المختزل كل الخدمات الزبائنية والصلاحيات العامة للشعب بأسلوب أكثر إتقانا وتفانيا ويساهم في توفير الكثير من مال الدولة ومال الشعب الذي استثمر عبثا في استزراع أراضٍ بور!

وأنصح النواب ومنهم الإسلامويون الذين «ما سووا شي» بأن يلجأوا إلى دراسة أخرى بشأن أمنهم الغذائي الانتخابي «الشرعي» وأن تكون لديهم قوائم وجداول ترصد آثار التضخم على أسعار المواد الغذائية كالرز والخضراوات والدهن وغيرها التي قد يستخدمونها في خيامهم للانتخابات القادمة أو تستخدمها جهات متنفذة بدلا منهم، فيدرسوا إمكان استبدالها بخيارات أجدى نفعا واقتصادا كـ «التبن» أو ربما تكون أكبر «نفعية» وطنية واحدة تفي بالغرض وتدخل في موسوعة «غينيس» ضمن إنجازات الألفية البحرينية. فهم سيدخلون برلمانا وسلطة لا تسمن ولا تغني من جوع!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2054 - الأحد 20 أبريل 2008م الموافق 13 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً