بعد تجربة الاستعراض الدولي الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف والتي ترى حكومة البحرين أنها اجتازتها بنجاح، وبعد الإطراء الكبير للسجل الحقوقي البحريني من «الشرق والغرب»، وبعد التعهدات الطوعية العشر التي قطعتها البحرين على نفسها - من دون إكراه - حان الوقت لأن تعيد الحكومة النظر في قرارها بإغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان.
في العام 2004 واجهت الحكومة سوء تقدير في التعبير من أحد نشطاء المركز، بخطأ جسيم وهو إغلاق إحدى أهم المؤسسات الحقوقية في البحرين، وعلى رغم أن الحكومة كانت منزعجة من بعض أنشطة المركز ووجدت في سوء التعبير فرصة لأن تنقض عليه، لكنها في الكفة الأخرى ربحت ثقة المؤسسات الحقوقية الدولية، ووجود المركز كان يعني- للمراقبين محليا ودوليا- أن الحكومة قادرة على استيعاب اللون الآخر المختلف معها في قراءاته لمعطيات الساحة.
ليس من الحكمة أن نفتح جبهة صراع أو محاكمة للسلطات على موقفها، فالمرء يجب أن يعيش يومه وغده عوضا عن استحضار مشاهد أضحت في عهدة الزمن الآن، ولكن المؤكد أن قرار تشميع المركز الحقوقي كان انفعاليا وغير مدروس، تماما كما هو الحال مع خطأ الناشط الحقوقي، فالحكومة والناشط الحقوقي نفسه كلاهما استخدما الورقة السياسية - بقصد أو من دونه - على حساب الورقة الحقوقية.
لا أعرف الظروف أو حتى الضغوط التي ساقت وزير العمل لأن يصدر قراره بحل المركز بتلك السرعة، وربما كان هناك من يبرر تلك الخطوة الحكومية حينها، لإعادة الهيبة لرموز المؤسسة الرسمية، ولكن في ظل دولة المؤسسات والقانون لا يصح بأية حال أن يغلق بيت حقوقي فاعل بجرة قلم من وزير وهو عضو في السلطة التنفيذية، بمعنى أن الحكومة كانت خصما وحكما في الوقت ذاته.
لست في صدد تخطئة الوزير العلوي أنه طبق قانونا معمولا به، وإن كان هذا القانون في جوهره مخالفا للدستور والأعراف والشرعة الدولية، فالمسئول الحقوقي أخطأ وتمت محاسبته (بحسب نظر السلطة)، ولكن المؤسسة كان يجب أن تبقى وتستمر ويقوى عودها وتتجاوز أي سلوك سابق غير محسوب.
أربعة أعوامٍ مضت على قرار الحكومة، وبات القرار في حكم التاريخ، وليستخلص منه الجميع العبر، ولكن الأهم بالنسبة للحكومة كيف تتعاطى مع الوضع الحقوقي على الأرض الآن، وتستوعب المتغيرات المتسارعة، فكل الظروف باتت مهيأة لأن تطلق الحكومة بادرة تزف حسن نواياها في تطوير الوضع الحقوقي ومعالجة الترسبات والتراكمات، من خلال التوصل لصيغة توافقية لافتتاح مركز البحرين لحقوق الإنسان المغلق، ولو بشروط مع القائمين عليه.
ليس خفيا أن الحكومة لم تنجح سوى في غلق المبنى، فنشطاء المركز لم يفتأوا من العمل في الداخل والخارج تحت مسمى «المركز المنحل»، وهذا التعبير يحمل في مؤداه تشكيكا كبيرا في جدية المشروع الإصلاحي، وهذا التعبير استغلته ولاتزال أطراف سياسية في معركتها السياسية مع الدولة، وليس من مصلحة الحكومة أن تستمر في خسارة حتمية، فلا يكاد يخلو تقرير دولي من دون توبيخ البحرين على غلق المركز.
من وحي المصلحة الوطنية يتعين أن تتعامل السلطة الآن مع القائمين على المركز بروح جديدة، والقائمون على المركز في المقابل يجب أن يركزوا على القبعة الحقوقية فحسب، وهم قادرون على معرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والأهم أن يعاد افتتاح مركز حقوق الإنسان ويمارس دوره بحرية تحت مظلة القانون... دعونا نشعل شمعة بدلا من أن نلعن الظلام!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ