العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ

الفتنة أشد خطرا من الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مجددا طرح السؤال: حرب أم لا حرب في المنطقة؟ هذا السؤال تحول في السنوات الثلاث الماضية إلى ما يشبه «اللغز». البعض يؤكد حصولها ولكنه لا يحدد موعدها في اعتبار أن لحظة وقوعها تنتظر ذاك الخطأ الاستراتيجي الذي يمكن أن ترتكبه إيران. البعض يرجح حصولها انطلاقا من قراءة سياسية لإدارة أميركية تقودها عقلية آيديولوجية لا تسمح بالمكابرة وترفض الظهور ضعيفة في ظروف دولية صعبة تمر بها الولايات المتحدة. والبعض يستبعد الحرب لأن إدارة جورج بوش انكشفت استراتيجيا ولم تعد قادرة على إقناع دافع الضرائب (الناخب الأميركي) بضرورة الذهاب مجددا في مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج سياسيا. والبعض يضع احتمالات الحرب على درجة واحدة من عدم وقوعها استنادا إلى تحليل يرى أن واشنطن لا تريد أن تتحمل مسئولية ظهور دولة إقليمية نووية تهدد «أمن إسرائيل» واستقرار منطقة استراتيجية وغنية بالنفط.

هناك وجهات نظر مختلفة بشأن الحرب المتوقع حصولها أو عدم حصولها من الآن إلى نهاية عهد بوش. فالرأي الذي يرجح قيامها يؤكد أن إدارة بوش لن تغادر مكاتب البيت الأبيض قبل افتعالها حتى تضمن مصالح الدولة العليا التي تجد في نمو نفوذ إيران الإقليمي إشارة سلبية تهدد منابع النفط وخطوط الإمدادات وتزعزع أمن دولة صديقة وحليفة في العقود الستة الأخيرة. هذا الرأي تكرر على أكثر من صعيد. فهو ينطلق من رؤية استراتيجية تقرأ التوازنات الإقليمية في إطار سياسة دولية كبرى ترفض الانصياع لقوة خارج إرادتها. حتى القبول بطرف محلي يتحدى ويستفز ويطالب بحصته لا تستسيغه إدارة تسيطر عليها فكرة استخدام القوة لتعديل التوازنات وكسر المعادلات. وبناء على هذه الرؤية الاستراتيجية تؤكد مصادر هذا الرأي أن بوش أخذ القرار ولكنه يبحث عن تلك الذريعة التي تعطيه صلاحيات للتدخل تحت غطاء الدفاع عن مخاطر تهدد مصالح أميركا وأمن حليفها الأول في المنطقة.

البحث عن الذريعة تشكل في رأي هذا الفريق العائق الوحيد الذي عطل أو أجل البدء في إصدار الأمر العسكري. وبما أن الذريعة لم تقع فإن الحرب لن تقع قبل ظهورها. وهذا الموضوع الذي يعتمد على فرضية الخطأ يستند على معطيات شتى منها أن الإدارة التي استبعدت مرارا حصول الحرب لم تسقط هذا الخيار من مجموعة احتمالات موضوعة على طاولة التفاوض مع إيران. فالحرب ليست خيارا ولكنها مسألة محتملة في حال فشل التفاهم مع القيادة السياسية في طهران.

مقابل الرؤية الاستراتيجية التي ترجح فرضية الحرب هناك قراءة مغايرة تستند إلى معلومات ميدانية تشير إلى أن خيار القوة ليس واردا حتى لو طرحته واشنطن للابتزاز والتخويف. تعتمد هذه القراءة المغايرة على معطيات ملموسة تؤكد أن المؤسسة الأميركية أصيبت بإنهاك واستنزفت طاقاتها وتورطت في مشكلات لوجستية ولا تمتلك الآن حرية التصرف من دون غطاء من الكونغرس وتمويل ضخم يحتاج إلى موافقة أعضاء الحزب الديمقراطي الذين يشكلون غالبية نيابية. وبما أن الكونغرس في حال من الاستنفار وهو يستعد للانقضاض على الحزب الجمهوري إذا أراد التذاكي أو التحايل على مؤسسة تمثيلية بقصد ابتزازها سياسيا واستخدامها غطاء لمشروع تقويضي (تدميري) كما سبق وفعل في أفغانستان والعراق وأخيرا لبنان.

بين الرؤية الاستراتيجية والقراءة العملانية تحولت نظرية الحرب إلى لغز سياسي. فالحرب لا تريدها الإدارة ولكنها قد تتحول إلى «شر لابد منه» في حال اكتشفت واشنطن أن البدائل مقفلة ولا تحقق النتائج المرجوة من التفاوض مع طهران.

بين الاستبعاد والاستبدال

ماذا تريد أميركا من إيران مقابل إسقاط خيار اللجوء إلى القوة؟ الجواب يمكن أن يساعد على حل «اللغز السياسي». هناك المشروع النووي (تخصيب اليورانيوم). وهناك مشروع إنتاج الصواريخ البعيدة المدى (البالستية). وهناك موضوع الخليج (مضيق هرمز) المعطوف على حقول النفط والأنابيب وخطوط الإمداد. وهناك ساحة العراق ونمو النفوذ الإيراني في مناطق الجنوب والوسط. وهناك التحالف مع سورية ودوره في التأثير على التوازن العسكري مع «إسرائيل». وهناك ساحة لبنان ودورها في تهديد المستوطنات في وسط فلسطين وشمالها. وهناك المساعدات المالية واللوجستية لحركة حماس (صواريخ قطاع غزة) وموقع الأخيرة في توازن السلطة الفلسطينية ومشروع «الدولة» الموعودة.

اللائحة الأميركية طويلة فهي تشتمل على مجموعة نقاط إيرانية وخليجية وعراقية ونفطية وسورية ولبنانية وفلسطينية... وكلها يمكن اختزالها في نقطتين رئيستين: أمن النفط وأمن «إسرائيل». فهل قيادة طهران السياسية في موقع يسمح لها بالتعامل الإيجابي مع لائحة المطالب الأميركية الطويلة وتقبل التفاوض على النقطتين الرئيستين مقابل تسهيلات في النقاط الأخرى؟ حتى الآن تبدو الصورة غامضة ما يزيد من أزمة الغبار حول المنطقة ويبقي الجواب النهائي محاطا بذاك «اللغز السياسي».

أميركا تقول إن إيران تبالغ في قوتها العسكرية. فهي لا تمتلك تلك الصواريخ المخيفة، وغير قادرة على تطوير قوتها الجوية (طائرات حديثة وسريعة وبعيدة المدى) وهي تحتاج إلى سنوات لنقل برنامج التخصيب من طوره السلمي إلى طوره الحربي. وعززت واشنطن هذه القراءة بمجموعة تقارير كان آخرها ذاك الذي نشرته أجهزة الاستخبارات بشأن تجميد طهران مشروعها النووي العسكري منذ العام 2003.

إذا كانت إيران ضعيفة إلى هذا الحد لماذا تعمد واشنطن إلى تخويف المنطقة من مخاطرها؟ هناك ملابسات تغلف الموضوع الأمر الذي يثير زوبعة من الألغاز السياسية في وقت تظهر في الأفق الإيراني - السوري قراءات تستبعد احتمال وقوع الحرب. إيران مثلا تقرأ المسألة من زاوية مختلفة والرئيس محمود أحمدي نجاد كرر في خطاب ألقاه بمناسبة «عيد الجيش» أن أميركا ضعيفة وعاجزة وغير قادرة على خوض معارك أو التهديد بها بينما «إيران أكبر قوة على وجه الأرض». سورية كذلك استبعدت احتمالات وقوع هجوم إسرائيلي أو توجيه ضربة أميركية انطلاقا من معطيات ترجح أن تلجأ واشنطن إلى استبدال الحرب بمشروع فتنة مذهبية سنية - شيعية في لبنان وفتنة عربية - إيرانية في الخليج والعراق. القيادة السورية لا تستبعد الحرب ولكنها ترجح أن واشنطن استبدلتها بحروب محلية وأهلية.

القراءات مختلفة سواء في الجانب الأميركي أو في الجانب المضاد. وكل القراءات مترددة في حسم الجواب النهائي في اعتبار أن المعطيات التي تحدث عنها الرئيس بشار الأسد في خطاب ألقاه في ندوة «تجديد الفكر القومي والمصير العربي» تشير إلى نوع من الاستبدال. فالرئيس السوري لم يستبعد الحرب ولكنه أشار إلى أخطر منها: الفتنة.

هل صحيح أن واشنطن استبدلت الحرب بالفتنة أم أنها لم تستبعدها نهائيا من خياراتها الأخيرة؟ الجواب غير واضح ولا يمكن المراهنة على مسار أخير. وهنا يكمن سر «اللغز السياسي». استبعاد الحرب نقطة لا يمكن الركون إليها. احتمال الحرب مسألة لا يمكن تأكيد وقوعها. وبين الاستبعاد والاحتمال من جهة واستبدالها بالفتنة الأهلية من جهة أخرى تظهر مفارقة سياسية غير مؤكدة ومبنية على معطيات غير مكتملة العناصر والشروط. وهذا الغموض الذي طغى على مختلف التحليلات في السنوات الثلاث الماضية رفع من نسبة اللغز السياسي وعطل إمكانات التوصل إلى جواب نهائي.

الفتنة لاشك أخطر من الحرب. فالحرب تقع بين قوى إقليمية أو دولية بينما الفتنة تندلع بين القوى الأهلية. والنموذج العراقي الذي أكد أن خسائر الفتنة أقوى وأعمق من كوارث العدوان هو السيناريو المخيف قياسا بالسيناريوهات الأخرى. والمقارنة بين فرضية الحرب واحتمال الفتنة تشير المعطيات الميدانية إلى أن تداعيات الفتنة أشد خطرا من نتائج الحرب. وهذا ما حذّر الأسد في خطابه الأخير من وقوعه في لبنان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2052 - الجمعة 18 أبريل 2008م الموافق 11 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً