العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ

لبنان في ثلاجة «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

استمرار فترة «الفراغ الهادئ» في لبنان إلى مدّة أطول من كل التوقعات أثار أسئلة بشأن تلك الحكمة التي تقف وراء سياسة تعطيل الحلول وإبقاء الأزمة في «ثلاجة» بانتظار نضوج تسويات تشتغل عليها القوى المعنية بملفات المنطقة الساخنة. الملفات كثيرة وكلّها تحتل مواقع أساسية في جدول أعمال الإدارة الأميركية. وإذا كان شرط عقد تسوية في لبنان هو التوصّل إلى توافقات بشأن أزمات المنطقة فمعنى ذلك أنّ حال بلاد الأرز سيبقى في طور اللاحل إلى أمد غير معلوم.

ربط لبنان بموضوع العراق ثم إعادة ربطه بالمسألة الفلسطينية ثم ربطه بالفضاء السوري الموصول بالمشروع النووي الإيراني سيؤدّي لا شك إلى تطويل الأزمة وربما تدويلها في نهاية المطاف. والتدويل مسألة غير مستبعدة في حال تواصلت سياسة تفشيل المبادرة العربية وعدم تشغيل الآليات الدستورية التي تنصّ على فتح قاعات مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية.

ما هي مصلحة دمشق في تعطيل المشروع العربي في لبنان؟ وماذا تستفيد من احتمال نقل ملف بلاد الأرز من طوره العربي إلى درجة أعلى تعطي الدول الكبرى أفضلية تدخلية في مسألة توافقت الجامعة العربية على حلها؟

قراءة سريعة لعناصر المشكلة ومكوّناتها المحلية والجوارية والإقليمية تفضي مجتمعة إلى التأكيد على أنّ لا مصلحة سورية في تطويل الأزمة وتعطيلها من خلال إعاقة مشروع المبادرة العربية. فالمصلحة السورية تقتضي أنْ يتجّه لبنان نحو الاستقرار والتوحّد والتضامن وخصوصا أنّ المترشح المتوافق عليه (الجنرال ميشال سليمان) أكّد مرارا حرصه على إقامة أفضل العلاقات المتوازنة التي تحترم المصالح المتبادلة والأمن المشترك بين البلدين.

القراءة السريعة إذا تشير إلى عدم وجود مصلحة سورية في «تدويل» الأزمة. وهذه المصلحة يمكن الإطلاع عليها من خلال الأوراق المتداخلة التي يتضمنها الملف اللبناني. ولكنّ القراءة السريعة ليست كافية لفهم تضاعيف أزمة مفتوحة على ملفات أخرى تنتظر المعالجة وهي موضوعة على طاولة التفاوض الإقليمي منذ صدور تقرير بيكر-هاملتون بشأن العراق. فالتقرير أشار إلى ارتباط القضايا الإقليمية ببعضها واقترح سلسلة معالجات لأزمات المنطقة تمهيدا لاحتواء خراب الهيكل في العراق وضمان أمن قوّات الاحتلال لضمان انسحابها المشرّف من بلاد الرافدين. وبناء على توصيات التقرير نصح الثنائي بيكر-هاملتون الإدارة الأميركية الاتصال بدول الجوار وتحديدا سورية وإيران بهدف الاطلاع وطلب المساعدة بغية إيجاد حل لمشكلة الاحتلال في العراق.

توصية بيكر-هاملتون شكّلت ذريعة لإعادة ربط الملفات الثلاثة وساهمت في إعادة تشكيل خريطة أميركية لمنظومة العلاقات والاتصالات الإقليمية بدول المنطقة تحت سقف ترابط القضايا واتصالها ببعضها. ولعبت التوصية دورها في تشجيع الإدارة على اتخاذ خطوات عملية باتجاه فتح قنوات «فنية» و«تقنية» على المسارين السوري الإيراني

منذ مطلع العام 2006 وقبل صدور تقرير الكونغرس الأميركي في صيغته النهائية استبقت إدارة جورج بوش التوصية الرسمية وأخذت تستطلع الأمزجة من خلال إرسال الوفود بهدف استكشاف المدى الذي يمكن أنْ تصل إليه دمشق وطهران في تقديم المساعدات وتسهيل العقبات. وحين صدر التقرير في نهاية 2006 كانت الاتصالات «السرية» وصلت مع الطرفين إلى نقطة مهمّة وهي ضرورة الاعتراف بحكومة العراق والتعاون معها في اعتبار أنّ الخطوة المذكورة تشكل إشارة على حسن النوايا وحقل اختبار للقضايا الأخرى المتصلة من قريب أو بعيد بالملف العراقي.

بلاد الرافدين

مأزق الاحتلال في بلاد الرافدين شكل ذاك المعبر السياسي لدخول لبنان في إطار التفاوض الإقليمي مع الجانب الأميركي. وبما أنّ بلاد الأرز باتت منذ صدور القرار 1559 في العام 2004 تخضع لضغوط دولية تطالب الدولة اللبنانية القيام بمهمات مستحيلة أصبح الملف عرضة للتفاوض الدولي مع أطراف أخرى قادرة على تنفيذ تلك المهمات المستحيلة وتمرير ما تبقى من شروط وفقرات تضمنها القرار. ضعف لبنان وحساسية توازناته الطائفية والمذهبية وعدم وجود دولة قوية وقادرة (بوليسية وقمعية) اجتمعت كلها لتشكيل ذريعة للقوى الدولية (وتحديدا الولايات المتحدة) تسمح لها بالبحث عن دولة عندها القدرة وتمتلك العزم على تنفيذ ما تبقى من فقرات.

الضعف البنيوي للدولة اللبنانية أعطى الولايات المتحدة فرصة للتدخل من خلال دعم العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006. فالعدوان الذي أسفر عن مجموعة نتائج ميدانية تمثلت في إخراج قوات حزب الله من جنوب نهر الليطاني ونشر قوات دولية على الحدود إلى جانب الجيش اللبناني انتهى إلى نقطتين: الأولى تحطيم البنى التحتية للدولة وتدمير المشروع العربي المتمثل في إعادة الإعمار وتعطيل المؤسسات وإدخال العلاقات الأهلية في عنق زجاجة ملتهبة قابلة للانفجار.

الثانية صدور القرار الدولي 1701 ورفع درجة التدخل الأميركي من خلال فقرات تنص على مسئولية دولية في مراقبة الساحة اللبنانية.

العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان أضعف الدولة وزعزع إمكانات التدخل العربي ورفع من درجة نفوذ المحور السوري - الإيراني بعد أنْ أخفقت تل أبيب في تحقيق أهدافها المباشرة. وحين استقر العدوان على قاعدة القرار 1701 بدأت الرياح الإقليمية تعصف بالكيان الصغير مستفيدة من ضعف الدولة وصدور تقرير بيكر-هاملتون الذي عزز في توصياته تلك الاتصالات الثنائية التي بدأت في مطلع 2006. فالتوصيات أعطت شرعية دستورية لسياسة أميركية أخذت تعتمد منظومة علاقات إقليمية تستهدف ضبط الملفات الثلاثة (العراق، فلسطين، ولبنان) في صفقة مشتركة. وبما أنّ الصفقة لاتزال في طور التداول والبحث ولم تتوصل اللقاءات حتى الآنَ إلى صيغ نهائية وهي تحتاج إلى مزيد من الوقت للتفاهم على التفصيلات دخل لبنان في ثلاجة عطلت على مؤسساته العمل إلى أنْ وصل بعد نحو السنتين من التفاوض إلى فترة «الفراغ الهادئ».

فترة «الفراغ الهادئ» مشروطة بمدى توصل الولايات المتحدة إلى تفاهمات إقليمية بشأن الملفات الثلاثة المعطوفة ضمنا على المشروع النووي الإيراني. فالهدوء المتوتر الذي تشهده الساحة اللبنانية منذ توقف العدوان يمكن أن يصل إلى حافة الانهيار في حال اصطدم التفاوض بعقبات الشوط الأخير من المداولات. ويمكن أن يتوصل إلى بر الأمان في حال قدمت إيران وسورية تسهيلات ومساعدات في العراق وفلسطين مقابل تنازلات مدروسة في بلاد الأرز تضمن أمن «إسرائيل».

المصلحة السورية إذا من خلال القراءة الطويلة للأزمة اللبنانية تقتضي الآنَ عدم تسهيل انتخاب رئيس قبل اتضاح معالم الصورة الإقليمية. وبهذا المعنى لا مصلحة أميركية أيضا في تمرير مشروع المبادرة العربية التي توافقت عليها دول الجامعة في القاهرة. هناك نوع من التقاطع المصلحي الدولي والإقليمي في تمديد فترة «الفراغ الهادئ». وهذا التقاطع الذي تتداخل فيه الملفات الثلاثة يضع لبنان تحت ضغط كبير وخصوصا أنّ القرارين 1559 و1701 وضعا بلاد الأرز على سكة التدويل وأضعفا الدولة والدور العربي وفتحا قنوات تفاوض على ملفين يحتلان أولوية في المشروع الأميركي الخاص بالشرق الأوسط. فأمن قوات الاحتلال في العراق أهم من أمن لبنان. وأمن «إسرائيل» أعلى بدرجات من استقرار لبنان. وفي حال نجحت واشنطن في استدراج عروض إقليمية تضمن أمن قوّاتها وأمن حليفها الاستراتيجي الأوّل في المنطقة ستفتح قنوات الحل في بلاد الأرز. وفتح قنوات الحل يعني أنّ لبنان سيُعاد تشكيله من جديد؛ ليتناسب تكوينه السياسي مع تلاوين خريطة «الشرق الأوسط الجديد».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً