منذ الشهر الماضي لم تتوقف أحداث الشغب في العديد من البلدان النامية والفقيرة، وأصبحت تلك الأحداث تنتشر كانتشار النار في الهشيم من جراء صعوبة الحصول على الغذاء، ناهيك عن ارتفاع أسعاره. فمن مصر، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، بوركينا فاسو، وإثيوبيا في إفريقيا إلى باكستان، تايلند، إندونيسيا، مدغشقر والفلبين في آسيا. لقد وصل تدهور الأوضاع في بعض البلدان، كما في باكستان، إلى انتشار الجيش لتفادي الاستحواذ على الأغذية من الحقول ومخازن السلع. ولم يعد الأمر محصورا في بلد معين، أو جزءا من صراع سياسي داخلي، فقد حذر تقرير «آفاق المحاصيل وحالة الأغذية» الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة (فاو) حديثا من مخاطر مواجهة 37 بلدا في شتى أنحاء العالم أزمات غذائية. مقابل ذلك تتسارع تقارير ومؤتمرات المنظمات العالمية محذرة من آثار ارتفاع أسعار الأغذية على فقراء العالم.
هذه الأحداث الدموية المتعاقبة باتت تضرب عرض الحائط بإعلان روما بشأن الأمن الغذائى العالمى الذي جاء فيه «نحن رؤساء الدول والحكومات، أو من يمثلوننا، المجتمعون فى مؤتمر القمة العالمى للأغذية المنعقد بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، نؤكد من جديد حق كل إنسان فى الحصول على أغذية سليمة ومغذية، بما يتفق مع الحق فى الغذاء الكافى والحق الأساسى لكل إنسان فى التحرر من الجوع. لقد وطدنا إرادتنا السياسية والتزامنا الجماعى والوطنى على تحقيق الأمن الغذائى للجميع، وبذل جهد متواصل من أجل استئصال الفقر فى جميع البلدان جاعلين هدفنا المباشر هو خفض عدد من يعانون من نقص التغذية إلى نصف مستواه الحالى فى موعد لا يتجاوز العام 2015».
وهناك تعريفات كثيرة لمفهوم الأمن الغذائي، لعل أبسطها ذلك الوارد في موقع « تغذية العقول لمكافحة الجوع» (http://www.feedingminds.org/default_ar.htm) هو «حصول جميع الناس في جميع الأوقات على ما يكفيهم من غذاء ملائم من الناحية التغذوية وآمن (الجودة والكمية والتنوع) لممارسة حياة ملؤها النشاط والصحة، (بتهيئة) الظروف التي يمكن في ظلها لجميع الناس ضمان الغذاء الذي يحتاجونه والتمتع بالتغذية الجيدة بطريقة كريمة ومستدامة».
كما أن هناك الكثير من الأسباب التي تكمن وراء أزمة الغذاء المحدقة بالبلدان الفقيرة، البعض منها يعود إلى الطبيعة والمناخ، والبعض الآخر يعود إلى الأنشطة الإنسانية مثل التوسع العمراني وزحف المدن على الأراضي الزراعية، لكن هناك عاملا جديدا تطرحه منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو) له تأثير مباشر وعميق على موضوع الأمن الغذائي، وهو إنتاج الوقود الحيوي الذي بات يهدد إنتاج الأغذية الزراعية. وسيكون ذلك موضوع المؤتمر الذي ستعقده (فاو) في الأسبوع المقبل بالعاصمة البرازيلية. كما تنظم (فاو) مؤتمرا آخر تحت عنوان «الأمن الغذائي العالمي وتحديات تغير المناخ والطاقة الحيوية» في مقرها الرئيسي بروما في الفترة من 3 إلى 5 يونيو/ حزيران المقبل.
وليست (فاو) هي الوحيدة التي باتت تحذر من مساوئ إنتاج الوقود الحيوي، ففي الشهر الماضي حذرت مجموعة «نستله» السويسرية، كما ورد في وكالات النباء، وبثه موقع (http://www.menafn.com) من أن زيادة الاعتماد على المحاصيل الغذائية لإنتاج الوقود الحيوي سيؤدي إلى أزمة غذائية كبرى على مستوى العالم. وأوضح رئيس المجموعة أنه إذا كانت الخطة تقوم على تخفيض الطلب المتنامي على النفط بنسبة 20 في المئة من خلال الوقود الحيوي فإن ذلك سيستهلك جزءا كبيرا من المحاصيل الزراعية لدرجة أنه لن يبقى ما يؤكل. وشدد الرئيس «على أن خطة دعم إنتاج الوقود الحيوي بشكل كبير غير مقبول أخلاقيا وغير مسئول، موضحا أن ملايين الأطنان من الذرة المخصصة للوقود الحيوي ستؤخذ من القطاع الغذائي».
وأضاف الرئيس أيضا أن هذه الخطة «ستؤدي بأسعار الذرة والصويا والقمح إلى ارتفاعات قياسية، فيما تصبح الأراضي القابلة للزراعة نادرة، وستقل مصادر المياه، موضحا أنه يلزم حوالي أربعة آلاف لتر من المياه لإنتاج لتر واحد من الإيثانول الحيوي».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2048 - الإثنين 14 أبريل 2008م الموافق 07 ربيع الثاني 1429هـ