العدد 2046 - السبت 12 أبريل 2008م الموافق 05 ربيع الثاني 1429هـ

تباين مستوى المعيشة بين المواطنين والقلق من المستقبل

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

«اعتبر ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة تباين مستوى المعيشة بين المواطنين أمرا مقلقا في البحرين، مؤكّدا أهمية التوزيع العادل للثروة»، هذا ما نقلته عنه إحدى الصحف المحلية بتاريخ 17-2-2008. المؤشرات كلّها تدلل على أنّ التفاوت الحاصل في البحرين فاحش بكلّ ما للكلمة من معنى، إلى الحد الذي يحتار قلّة من المتخمين في أنواع الترف والمتع التي يصرفون عليها جزءا كبيرا من ثرواتهم، بينما صُراخ الناس يتعالى من غلاء السلع الحيوية.

وحين تطرح بعض التقارير الدولية أنّ متوسط نصيب الفرد في البحرين بما يقارب 640 دينارا شهريا، فهذا يشمل كل فرد، سواء الأجنبي أو المواطن، صغيرا أم كبيرا. وبالنظر إلى وجود أكثر من نصف مليون أجنبي، دخولهم الحقيقية ربما أقل من 150 دينارا، وإذا قارنا ذلك مع الرقم السابق (640 د. شهريا للفرد)، فهذا يعني أنهم ينالون جزءا بسيطا جدا من العملية الإنتاجية التي يشاركون فيها، والباقي يذهب لجيوب أرباب عملهم. وهذا ينطبق على المواطنين بصورة لا تقل عن الأجانب كونهم يعيلون أسرا، فأكثر الأسر البحرينية التي تتكون من خمسة أفراد، والتي ينبغي أنْ يكون متوسط نصيبها من الدخل المحلي بحسب التقارير الدولية أكثر من ثلاثة آلاف دينار، لا تنال دخلا أكثر من 400 دينار شهريا، أما الرواتب، فبحسب أحد النواب، يوجد أكثر من 50 ألف مواطن رواتبهم لا تتعدى 250 دينارا. بكلمة أخرى، أنّ ثروة المجتمع والمردود من العملية الاقتصادية، تستحوذ عليها فئة قليلة جدا من أفراد المجتمع، وينال الباقون الفتات، ومن المعيب على الحكومة رفض مقترح النواب بتحديد الحد الأدنى لرواتب موظفيها بمقدار 300 دينار شهريا.

المؤشرات كلّها تدلل بقوّة، على أنّ التنمية المرجو تحقيقها من وراء السياسة الاقتصادية الحالية القائمة على الليبرالية الاقتصادية الجديدة، ستعمّق وبصورة مأسوية التفاوت الاقتصادي وتتسع الهوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمع. وهذا ما لا ريب فيه، ويدركه كل مختص في مجال الفكر الاقتصادي. وقانون الأجر الحديدي معلوم جدا، وهو قانون علمي حتمي، يقرر أن العمال يعيشون دوما على الكفاف في حال تطبيق مثل تلك السياسة الاقتصادية بالكيفية الحالية التي تمنع الدولة من التدخل بأي شكل لصالح عامة الناس. هذا يعني بكل جدية وصدق ومن دون أدنى مبالغة، أن مستقبل الناس هو العيش على الكفاف، ويدعم هذا التوجس التجربة العملية التي مرّ بها العديد من الدول الرأسمالية المتقدمة في السابق قبل أنْ تتخلى عن هذه الحدية الصارمة في تطبيق هذه السياسة الاقتصادية.

والكفاف يعني الفقر والحاجة الشديدة؛ أي يعمل العامل بشدّة من أجل أنْ يبقى حيا فقط. والأسوأ أنّ دعاة هذه السياسة الاقتصادية والمنظرين لها لا يخفون هذه الحقيقة المرّة، ولكن يلجئوون إلى افتراضات في منتهى الفجاجة، وليس لديهم أدنى دليل عليها، وهي نظرية تساقط الرذاذ، فيزعمون بلا بدية حصول التفاوت الفاحش، ولكن فيما بعد سيعم الخير للجميع كتساقط رذاذ المطر الذي يشمل الكل... ولكن عند أي درجة من التفاوت سيحل ذلك الخير؟ لا نعلم. ولماذا لم يحل الخير في ظل التفاوت الفاحش الحالي؟ أيضا ... لا جواب.

ونظرية تساقط الرذاذ ليست بجديدة، ولكن تم إخراجها من قبرها الذي دُفنت فيه في اليوم الذي دُفن فيه جزء كبير من مبادئ اقتصاد الرأس مالية القديمة، التي تخلت عنها الدول الرأس مالية المتقدمة منذ أمد بعيد.

التفاوت الفاحش حتمي التحقق في حال تطبيق السياسة الاقتصادية القائمة على الليبرالية الاقتصادية الجديدة؛ لأنها بكلّ بساطة تترك حلبة المصارعة بلا حكم؛ أي بلا تدخل إيجابي من الدولة، وبالتالي لابدّ من موت أحد الأطراف المتصارعة. بمعنى آخر، أنها تترك توزيع الإنتاج يتحكم فيه العرض والطلب، فإذا قلّ عدد العمّال في السوق، ستكون أجورهم عالية لحاجة أرباب العمل وقلة المتوفر، وإذا زاد العمّال، فإن نصيب رأس المال سيكون هو الأوفر.

وبالتجربة أيضا التي لا يتطرق إليها الشك، فان هذا حتمي الحصول؛ أي أنّ المردود الأوفر من العملية الإنتاجية دائما لأصحاب رؤوس الأموال. وبالتالي ففي ظل التوجه الحالي، ومن دون ضوابط وتأني، فإن مصير العمّال هو العيش على الكفاف. ومثل هذا المستقبل المنظور، يحتم علينا فتح حوار وطني لإعادة النظر في التوجّه الاقتصادي الجديد.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2046 - السبت 12 أبريل 2008م الموافق 05 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً