العدد 2035 - الثلثاء 01 أبريل 2008م الموافق 24 ربيع الاول 1429هـ

انسحاب «الوفاق» من الحوار ودعاوى المسايرة

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

أعلنت جمعية الوفاق انسحابها من مبادرة الحوار التي دعا إليها الناشط السياسي عبدالوهاب حسين. منذ بداية دعوة حسين، اعتذر المجلس العلمائي عن الانضمام وتلبية الدعوة باعتبار أن همه الأساس ليس التصدي للشأن السياسي بتفاصيله اليومية. كنت حاضرا في مسجد الإمام الصادق (ع) في القفول حين ألقى السيد عبدالله الغريفي كلمته، إذ تساءل وبشكل عابر عن تمثيل جمعية كالوفاق بمندوبين اثنين فقط، بينما بعض الجمعيات والحركات لكل واحدة مندوبان، إلى جانب وجود مدعوين بصفتهم مستقلين، بينما هم أعضاء في تلك الجمعيات؟ وهو في هذا يشير لعدم تناسب القاعدة التي تقودها “الوفاق” مع حجم التمثيل.

تلك الإشارة العابرة، قوبلت بردّ توضيحي من بعض متزعمي الحوار، ربما - إن لم تخني الذاكرة - عبدالوهاب حسين نفسه، مفاده أن الدعوة تنحصر في التحاور فقط وليست لتشكيل هيئة تتخذ القرار بالتصويت، بالتالي لا إشكال فيما يتعلق بعدد الممثلين لـ “الوفاق”، وربما تم تقديم عرض على “الوفاق” لزيادة عدد أعضائها إن كانت ترغب بذلك أيضا. غير أن الأيام أثبتت أن المسألة لم تكن مجرد حوار، فقد توّصل المتحاورون إلى هذا المحذور الذي نبّه له السيد الغريفي مبكرا، ما اضطر “الوفاق” للانسحاب مؤخرا.

الكثير من المراقبين كانوا لا يترجون من وراء هذا الحوار نتيجة، لأن داعي الحوار نفسه يعرف جيدا أن المسألة تتعلق بمنهجية العمل السياسي، وهو الذي وصم منهج “الوفاق” بالمسايرة الضارة. بل إن التأمل في بعض ما جاء على لسان حسين، يعني بشكل حتمي وإن كان غير مقصود، سلب الشرعية من منهج “الوفاق” الذي وصمه بالمسايرة، لأن المقدمة التي يسوقها تقول إن منهج المسايرة هو السبب وراء كل الظلم وتجرؤ الحكّام في التاريخ على الأمة وفسادهم. وبالتالي ينفي عبدالوهاب صلة هذا المنهج بالأئمة (ع)، وهذا يعني أن هذا المنهج مخالف للإسلام. هذه نتيجة حتمية تفرضها المقدمة، إذ إن النتيجة من سنخ المقدمات.

مثل هذا الطرح بعيد عن الموضوعية، فالمسألة لها تقديرها وليست أبيض أو أسود، ومنهج الأئمة (ع) ليس واحدا دائما، فمنهج الإمام الحسين (ع) مع معاوية يختلف عن منهجه مع يزيد، وموقف الإمام علي (ع) في بداية الخلافة تغيّر عندما وجد في المبايعة مصلحة للإسلام والمسلمين، فهل كان ممانعا ثم تحوّل إلى المسايرة؟ وهل المسايرة ضارة بهذا الفهم؟

ليس الموضع هنا موضع بحث ونقد لمفهوم عبدالوهاب فيما يتعلق بمصطلح المسايرة، ولكن هذا الطرح سيبقى دعوى واسعة جدا، تحتاج إلى جهد علمي عظيم من أجل إثباتها، إذ يُفترض أن يتبع الباحث أكثر من منهج هنا، كأن يطبق المنهج التاريخي في الاستعانة بسيرة أهل البيت (ع)، بجانب ما ورد عنهم من أحاديث وكلمات حتى يمكن أن يثبت صحة هذه الدعوى، وهذا ما لم نعلمه.

ولا يبدو أن هذا المصطلح خرج نتيجة بحث علمي، فربما انبثق كردة فعل على أحداث معينة، وتبلور فيما بعد على إثر تسجيل جمعية الوفاق للعمل تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية، ولو كان مصطلح المسايرة خرج نتيجة بحث علمي، لما تأخر عنه مصطلح الممانعة لحظة واحدة، بينما مصطلح الممانعة ظهر كما يبدو بعد حرب يوليو/ تموز 2006 بين حزب الله و “إسرائيل”، ففي ذلك الوقت ظهر هذا المصطلح حين أُطلق على جبهة تضم حزب الله وسورية وإيران في قبال ذيلية دول أخرى للإرادة الأميركية في المنطقة.

المسألة المهمة هنا، من غير المفهوم إمكانية الجمع بين منهجين متخالفين لحد وصف الأول بالممانعة ووصم الثاني بالمسايرة، فإما أن يقود ذلك لتمييع ما أُطلق عليهم بمنهج الممانعة، أو يقود هذا الحوار إلى (تمنيع) المسايرة. الخط التشطيري الفاصل الذي وضعه عبدالوهاب بين خطي المسايرة والممانعة، لا تتيح نجاحا لما يرمي إليه، لأنه حتما يرمي لتقريب المعارضة نحو ما أسماه بمنهج الممانعة الذي يعتقد بصحته ويراه صائبا. وإن لم يكن هذا هدفه، فهذا يعني أنه أخذ يساير أتباع منهج المسايرة. واما إذا كان يرى أن في تعدد المناهج تكملة أدوار، وهذا ما توصل إليه كما يبدو في فترة سابقة، حيث طرح تنظيرا غريبا، فحواه لا ضير من تعدد القيادات حتى التي تخاطب أفراد تيار واحد، كأفراد التيار الإسلامي الشيعي، فهذا الطرح أيضا مما يدحض المفهوم الذي طرحه عن منهج المسايرة، لأنه بذلك يقرّ بأن لهذا المنهج دورا إيجابيا في تحقيق المطالب والمحافظة على التيار وكيانه. لهذا كان الأجدر به الاكتفاء بالقول من أن ما أسماه القدر الذي تمارسه المعارضة من المسايرة، لا يتلاءم مع الظرف الحالي، وذلك بدلا من الوصمات التي أسبغها على هذا المنهج بلا دليل مقنع.

والحق، كثيرا ما يتسم طرح عبدالوهاب حسين بمثل هذا التشطير إلى ثنائية حادة، فمثلا يطرح سؤالا بشأن الأوضاع الراهنة، هل السبب ضعف القيادة أم ضعف الشعب، ثم يختار الأول، وكأنما ليس هناك سبب ثالث، جعل من فقهاء أهل البيت (ع) وأتباعهم من الشعوب طيلة قرون، غير قادرين على تحقيق إلاّ النزر القليل عندما تحملوا القيادة والمرجعية بعيدا عن سدّة الحكم.

لقد بدا عبدالوهاب حسين هو نفسه غير مقتنع بطرحه فهو غير منسجم في الممارسة العملية مع مفهومه بشأن المسايرة، وذلك ما تثبته دعوته لأطراف المعارضة للحوار ومن ثم التوصل لآلية اتخاذ القرار. بمعنى آخر، ان حسين تحرّك في دعوته للحوار على أساس أن الحاصل في الساحة وجود مجموعة معارضة أكثر ممانعة في رأيه من المجموعة الثانية، والتي في المقابل يعتبرها أكثر مسايرة من المجموعة الأولى. هذا هو التفسير الأقرب من وراء دعوة الحوار، ومن دون هذا التفسير، يصعب التصديق بأنه يأمل شيئا من وراء دعوته للحوار. وهذا دليل آخر على هشاشة فكرة “المسايرة” بالفهم الذي طرحه.

من السهل دحض ما جاء به حسين في مفهومه لمنهج المسايرة، إذ ماذا نفسر إحجام حتى الأئمة (ع) عن البوح بكلمة الحق في كثير من الأحيان وخصوصا بما يتعلق بمسألة حق الحكّام الذين عاصروهم في الحكم سوى أن المسايرة أمر عقلي وشرعي لا يصح ذمه بالطريقة التي جاء بها عبدالوهاب، غير أن الأحداث الأخيرة في مسألة استجواب عطية الله تكفلت عمليا بإسقاط الأرجل الخشبية لمفهوم المسايرة آنف الذكر في قعر مجلس النواب، ولو تمت المشاركة مذ عام 2002 لاختصرنا الطريق منذ أمد بعيد.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2035 - الثلثاء 01 أبريل 2008م الموافق 24 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً