إن كان جزء من المعارضة قد انزاح خارج سياق العملية السياسية ومسرحها الطبيعي، فإن في التيار الموازي - السلطة - أيضا، من خرج عن أدبيات المسرح نفسه راميا بالحائط العجيج الاشتراطات التي كان العام 2000 قد أوجدها وعمل على جعلها عرفا سياسيا لمرحلة إصلاحية حقيقية ومتوازنة.
هذا الخروج لم يكن بالأساس متعلقا بدستور العام 2002، أو بقانون الجمعيات السياسية بقدر ما يرتبط أساسا بأسباب ترتبط بتوازنات القوى داخل السلطة والمعارضة معا، وهو ما يكون واضحا للعيان تارة، ومستترا تارة أخرى.
الذي حدث حين غادرت بعض الرموز الوفاقية عرينها أنها أقامت تحالفات جديدة، مع مركز حقوق الإنسان المنحل ومع شخصيات أخرى كان قد تم تهميشها بعد أن كانت في التسعينات ذات حضور وتأثير كبيرين.
اختارت هذه التوليفة المضي قدما في العمل السياسي خارج الدائرة وخارج قوانين اللعبة، واستطاعت - فيما يمثل نجاحا مؤقتا - أن تخلق داخل جسد السلطة تيارا موازيا لها. واليوم هذا التيار الخارج من الدائرة من طرف السلطة بات يشاركها نجاحاته في تسيد الموقف وتحديد الأولويات، فنمت لدينا في البحرين كمحصلة لهذا الأمر، سلطتان ومعارضتان، سلطة ومعارضة تعملان داخل دائرة الدستور والقانون، وسلطة ومعارضة أخريان يلعبان خارج الدائرة بأدوات غير قانونية ولا ترتبط البتة بأي من قوانين اللعب النظيفة.
وإذا كانت ظروف حل مركز البحرين لحقوق الإنسان أولا، وانشقاق حسن مشيمع عن جمعية الوفاق ثانيا، وتهميش أسماء سياسية كانت بارزة في التسعينات ووجدت نفسها عاطلة عن العمل بعد الحركة المطلبية في التسعينات ثالثا، كلها عوامل ساهمت في صناعة المعارضة الجديدة، فإن بعض الأطراف في السلطة كانت مستعدة لبذل أقصى مساعيها طمعا في الوصول لهذه المعادلة، والبعض الآخر وجد نفسه مجبورا على الدخول في هذه المعادلة من دون أن يدري.
الذي يحدث اليوم أيضا، أن المعارضة في داخل العملية السياسية لم تستطع السيطرة على المعارضة خارجها على رغم الارتباط الوثيق بينهما، وأن السلطة الدينية في المعارضة لم تستطع أن تفرض قوتها وهو ما يمكن اعتباره أول إسقاط حقيقي داخل المعارضة لمعادلة “معكم معكم يا علماء”، إذ إن ما حدث، ولايزال يحدث، أمام مداخل القرى رغم رفض المرجعيات الدينية له، هو كسر واضح لكلمة المؤسسة الدينية وتقويض لسلطتها. وتأسيس جديد لمعارضة لا تلتزم ولا تبحث عما كانت القوى الإسلاموية تسميه بـ “الغطاء الشرعي”، وفي الانفكاك عن هذه الشرطية التاريخية دلالات مهمة، نعرضها في الغد.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2032 - السبت 29 مارس 2008م الموافق 21 ربيع الاول 1429هـ